الثانية: التنبيه على العلة وهو ترك الأدب مع الله. لقوله: " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي "1.
فيه تصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا لذلك. أما الصور فلمضاهاتها لخلق الله. وأما تسوية القبور فلما في تعليتها من الفتنة بأربابها وتعظيمها، وهو من ذرائع الشرك ووسائله. فصرف الهمم إلى هذا وأمثاله من مصالح الدين ومقاصده وواجباته. ولما وقع التساهل في هذه الأمور وقع المحذور، وعظمت الفتنة بأرباب القبور، وصارت محطا لرحال العابدين المعظمين لها. فصرفوا لها جلّ العبادة: من الدعاء والاستعانة والاستغاثة، والتضرع لها، والذبح لها، والنذور، وغير ذلك من كل شرك محظور.
قال العلامة ابن القيم -رحمه الله-: 2 ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وما أمر به ونهى عنه، وما كان عليه أصحابه، وبين ما عليه أكثر الناس اليوم. رأى أحدهما مضادا للآخر، مناقضا له بحيث لا يجتمعان أبدا. فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور، وهؤلاء يصلون عندها وإليها. ونهى عن اتخاذها مساجد، وهؤلاء يبنون عليها المساجد، ويسمونها مشاهد مضاهاة لبيوت الله. ونهى عن إيقاد السرج عليها، وهؤلاء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها. ونهى عن أن تتخذ عيدا، وهؤلاء يتخذونها أعيادا ومناسك، ويجتمعون لها كاجتماعاتهم للعيد أو أكثر، وأمر بتسويتها.
كما روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي- فذكر حديث الباب- وحديث ثمامة بن شُفَي وهو عند مسلم أيضا قال: " كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم بدردس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بقبره فسوي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها "3. وهؤلاء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين، ويرفعونها عن الأرض كالبيت; ويعقدون عليها القباب. ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه.