ومثاله، فكما أنه يجب العلم بأن الله ذاتا حقيقة لا تشبه شيئا من ذوات المخلوقين، فله صفات حقيقة لا تشبه شيئا من صفات المخلوقين، فمن جحد شيئا مما وصف الله نفسه أو وصفه به رسوله، أو تأوله على غير ما ظهر من معناه فهو جهمي قد اتبع غير سبيل المؤمنين. كما قال تعالى: ? {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} 1.
وقال العلامة ابن القيم -رحمه الله تعالى- أيضا:
"فائدة جليلة"
ما يجري صفة أو خبرا على الرب تبارك وتعالى أقسام:
أحدها: ما يرجع إلى نفس الذات، كقولك ذات وموجود.
الثاني: ما يرجع إلى صفاته ونعوته، كالعليم والقدير، والسميع والبصير.
الثالث: ما يرجع إلى أفعاله، كالخالق والرازق.
الرابع: التنزيه المحض، ولا بد من تضمنه ثبوتا; إذ لا كمال في العدم المحض، كالقدوس والسلام.
الخامس: - ولم يذكره أكثر الناس- وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة، بل دال على معان، نحو المجيد العظيم الصمد؛ فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة، من صفات الكمال، ولفظه يدل على هذا؛ فإنه موضوع للسعة والزيادة والكثرة، فمنه " استمجد المرخ والعفار" 2، وأمجد الناقة، علفها. ومنه "رب العرش المجيد" صفة للعرش لسعته وعظمته وشرفه. وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترنا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء، وكثرته ودوامه. فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه; كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، فهو راجع إلى التوسل إليه بأسمائه وصفاته، وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه. ومنه الحديث الذي في الترمذي: " ألِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام " 3.
ومنه: " اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان، بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام " 4. فهذا سؤال له توسل إليه بحمده، وأنه لا إله إلا هو
فيه مسائل:
الأولى: إثبات الأسماء.
الثانية: كونها حسنى.
الثالثة: الأمر بدعائه بها.
الرابعة: ترك من عارض من الجاهلين الملحدين.
الخامسة: تفسير الإلحاد فيها.
السادسة: وعيد من ألحد.
المنان، فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته. وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعا عند المسئول! وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد.
السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر. وذلك قدر زائد على مفرديهما نحو الغني الحميد، الغفور القدير، الحميد المجيد، وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن؛ فإن الغني صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر، فله ثناء من غناه، وثناء من حمده، وثناء من اجتماعهما، وكذلك الغفور القدير، والحميد المجيد، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنه أشرف المعارف.