قوله: "وفي رواية " أغيظ رجل على الله وأخبثه ".

قوله: "أغيظ" من الغيظ وهو مثل الغضب والبغض، فيكون بغيضا إلى الله مغضوبا عليه1. والله أعلم.

قوله: "وأخبثه" وهو يدل أيضا على أن هذا خبيث عند الله، فاجتمعت في حقه هذه الأمور لتعاظمه في نفسه وتعظيم الناس له بهذه الكلمة التي هي من أعظم التعظيم، فتعظمه في نفسه وتعظيم الناس له بما ليس له بأهل، وضعه عند الله يوم القيامة، فصار أخبت الخلق وأبغضهم إلى الله وأحقرهم؛ لأن الخبيث البغيض عند الله يكون يوم القيامة أحقر الخلق وأخبثهم، لتعاظمه في نفسه على خلق الله بنعم الله.

قوله: "أخنع: يعني أوضع"2 هذا هو معنى "أخنع"، فيفيد ما ذكرنا في معنى "أغيظ" أنه يكون حقيرا بغيضا عند الله.

فيه مسائل:

الأولى: النهي عن التسمي بملك الأملاك.

الثانية: إن ما في معناه مثله كما قال سفيان.

الثالثة: التفطن للتغليظ في هذا ونحوه، مع القطع بأن القلب لم يقصد معناه.

الرابعة: التفطن أن هذا لأجل الله سبحانه.

وفيه التحذير من كل ما فيه تعاظم. كما أخرج أبو داود عن أبي مجلز قال: خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير. فقال معاوية لابن عامر: اجلس; فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب أن يتمثل له الرجال قياما، فليتبوأ مقعده من النار " 3. وأخرجه الترمذي أيضا، وقال: حسن.

وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا على عصا، فقمنا إليه. فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضا " 4. رواه أبو داود.

قوله: "أغيظ رجل" هذا من الصفات التي تمر كما جاءت، وليس شيء مما ورد في الكتاب والسنة إلا ويجب اتباع الكتاب والسنة في ذلك، وإثباته على وجه يليق بجلال الله وعظمته تعالى، إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل كما تقدم، والباب كله واحد. وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الفرق الناجية من الثلاث والسبعين فرقة.

وهذا التفرق والاختلاف إنما حدث في أواخر القرن الثالث وما بعده، كما لا يخفى على من له معرفة بما وقع في الأمة من التفرق والاختلاف والخروج عن الصراط المستقيم، والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015