قوله: "وقال ابن مسعود: " لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا ".

ومن المعلوم أن الحلف بالله كاذبا كبيرة من الكبائر، لكن الشرك أكبر من الكبائر، وإن كان أصغر كما تقدم بيان ذلك. فإذا كان هذا حال الشرك الأصغر فكيف

بالشرك الأكبر الموجب للخلود في النار؟ كدعوة غير الله والاستغاثة به، والرغبة إليه، وإنزال حوائجه به; كما هو حال الأكثر من هذه الأمة في هذه الأزمان وما قبلها: من تعظيم القبور، واتخاذها أوثانا، والبناء عليها، واتخاذها مساجد، وبناء المشاهد باسم الميت لعبادة من بنيت باسمه وتعظيمه، والإقبال عليه بالقلوب والأقوال والأعمال. وقد عظمت البلوى بهذا الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، وتركوا ما دل عليه القرآن العظيم من النهي عن هذا الشرك وما يوصل إليه. قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} 1. كفرهم الله تعالى بدعوتهم من كانوا يدعونه من دونه في دار الدنيا. وقد قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} 2. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} 3. وهؤلاء المشركون عكسوا الأمر فخالفوا ما بلغ به الأمة وأخبر به عن نفسه صلى الله عليه وسلم، فعاملوه بما نهاهم عنه من الشرك بالله والتعلق على غير الله حتى قال قائلهم:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم

إن لم تكن في معادي آخذا بيدي ... فضلا وإلا فقل يا زلة القدم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015