يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ} 1. فهؤلاء الذين ذكرهم ابن عباس -رضي الله عنهما- تركوا ما وجب عليهم من الإيمان بما لم يعرفوا معناه من القرآن، وهو حق لا يرتاب فيه مؤمن، وبعضهم يفهم منه غير المراد من المعنى الذي أراد الله فيحمله على غير معناه، كما جرى لأهل البدع: كالخوارج والرافضة والقدرية، ونحوهم ممن يتأول بعض آيات القرآن على بدعته. وقد وقع منهم الابتداع والخروج عن الصراط المستقيم; فإن الواقع من أهل البدع وتحريفهم لمعنى الآيات يبين معنى قول ابن عباس.

وسبب هذه البدع جهل أهلها وقصورهم في الفهم، وعدم أخذ العلوم الشرعية على وجهها، وتلقيها من أهلها العارفين لمعناها الذين وفقهم الله تعالى لمعرفة

المراد، والتوفيق بين النصوص، والقطع بأن بعضها لا يخالف بعضا، ورد المتشابه إلى المحكم. وهذه طريقة أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان، فلله الحمد لا نحصي ثناء عليه.

" ذكر ما ورد عن علماء السلف في المتشابه"

قال في الدر المنثور: أخرج الحاكم – وصححه-2 عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد، فنزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم به، وانتهوا عما نهيتم عنه، واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه، وقولوا آمنا به كل من عند ربنا ". قال: وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} 3 الآية. قال: طلب القوم التأويل، فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة، وطلبوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} 4 قال: "منهن قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} 5 إلى ثلاث آيات، ومنهن " {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه} 6 إلى آخر الآيات".

وأخرج ابن جرير من طريق أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرّة عن ابن مسعود وناس من الصحابة -رضي الله عنهم-: "المحكمات الناسخات التي يعمل بهن، والمتشابهات المنسوخات".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015