قوله المخالف لنص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة هو المعتمد عندهم الذي لا تصح الفتوى إلا به. فصار المتبع للرسول صلى الله عليه وسلم بين أولئك غريبا، كما تقدم التنبيه على هذا في الباب الذي قبل هذا.

وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} 1.

فتدبر هذه الآيات وما بعدها يتبين لك ما وقع فيه غالب الناس من الإعراض عن الحق، وترك العمل به في أكثر الوقائع. والله المستعان.

قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} 2. قال أبو العالية في الآية: يعني لا تعصوا في الأرض؛ لأن من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء إنما هو بطاعة الله ورسوله. وقد أخبر تعالى عن إخوة يوسف -عليه السلام- في قوله تعالى: {ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} 3 - إلى قوله -: {قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} 4. فدلت الآية على أن كل معصية فساد في الأرض.

ومناسبة الآية للترجمة: أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعمال المنافقين، وهو من الفساد في الأرض.

وفي الآية: التنبيه على عدم الاغترار بأقوال أهل الأهواء وإن زخرفوها بالدعوى. وفيها التحذير من الاغترار بالرأي ما لم يقم على صحته دليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أكثر من يصدق بالكذب ويكذب بالصدق إذا جاءه! وهذا من الفساد في الأرض ويترتب عليه من الفساد أمور كثيرة، تخرج صاحبها عن الحق وتدخله في الباطل. نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

فتدبر تجد ذلك في حال الأكثر إلا من عصمه الله، ومن عليه بقوة داعي الإيمان، وأعطاه عقلا كاملا عند ورود الشهوات، وبصرا نافذا عند ورود الشبهات، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} 5

وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 6.

قوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} 7 قال أبو بكر ابن عياش في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015