العصيانين مستقل باستلزام الغواية؛ إذ العطف في تقدير التكرير، والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم.

الثاني: حمل حديث الخطيب على الأدب والأولى، وهذا هو الجواز. وجواب ثالث: وهو أن هذا وارد على الأصل، وحديث الخطيب ناقل فيكون أرجح.

قوله: "كما يكره أن يقذف في النار" أي يستوي عنده الأمران. وفيه رد على الغلاة الذين يتوهمون أن صدور الذنب من العبد نقص في حقه مطلقا وإن تاب منه. والصواب: أنه إن لم يتب كان نقصا وإن تاب فلا، ولهذا كان المهاجرون والأنصار -رضي الله عنهم- أفضل هذه الأمة، مع كونهم في الأصل كفارا فهداهم الله إلى الإسلام، والإسلام يمحو ما قبله، وكذلك الهجرة. كما صح الحديث بذلك.

قوله: "وفي رواية: لا يجد أحد" هذه الرواية أخرجها البخاري في الأدب من صحيحه. ولفظها: " لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله، وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " 1

وقد تقدم أن المحبة هنا عبارة عما يجده المؤمن من اللذة والبهجة والسرور والإجلال والهيبة ولوازم ذلك. قال الشاعر:

أهابك إجلالا وما بك قدرة ... عليّ ولكن ملء عين حبيبها

قوله: "وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: " من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا ". رواه ابن جرير". وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم الجملة الأولى منه فقط.

قوله: "من أحب في الله" أي أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك.

قوله: "وأبغض في الله" أي أبغض من كفر بالله وأشرك به وفسق عن طاعته؛ لأجل ما فعلوه مما يسخط الله وإن كانوا أقرب الناس إليه، كما قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} 2 الآية. قوله: "ووالى في الله" هذا والذي قبله من لوازم محبة العبد لله تعالى، فمن أحب الله تعالى أحب فيه، ووالى أولياءه، وعادى أهل معصيته وأبغضهم، وجاهد أعداءه ونصر أنصاره. وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها; وبكمالها يكمل توحيد العبد، ويكون ضعفها على قدر ضعف محبة العبد لربه، فمقل ومستكثر ومحروم.

قوله: "فإنما تنال ولاية الله بذلك" أي توليه لعبده. و "ولاية" بفتح الواو لا غير: أي الأخوة3 والمحبة والنصرة، وبالكسر الإمارة، والمراد هنا الأول. ولأحمد والطبراني عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا ". رواه ابن جرير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015