قال أبو بكر: "جرت مسألة في المحبة بمكة - أعزها الله في أيام الموسم- فتكلم الشيوخ فيها; وكان الجنيد أصغرهم سنا، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي، فأطرق رأسه ودمعت عيناه; ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه; أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفا شرابه من كأس مودته، وانكشف له الحياء من أستار غيبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله، وإن تحرك فبأمر الله; وإن سكن فمع الله، فهو لله وبالله ومع الله. فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جبرك الله يا تاج العارفين".

وذكر رحمه الله تعالى: أن الأسباب الجالبة للمحبة عشرة:

أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.

الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.

الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر هذا.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة.

السابع: - وهو أعجبها- انكسار القلب بين يديه.

الثامن: الخلوة وقت النزول الإلهي1، وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك.

وقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} 2.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل. فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة، ودخلوا على الحبيب.

قوله: "وقول الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015