والعلم، وصفات الأفعال; كالرحمة التي يرحم بها عباده، كلها صفات لله قائمة بذاته ليست قائمة بغيره، فتفطن لهذا فقد غلط فيه طوائف.

وفي هذا الحديث: إن نعم الله لا يجوز أن تضاف إلا إليه وحده، وهو الذي يحمد عليها، وهذه حال أهل التوحيد.

قوله: "وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا" إلى آخره، تقدم ما يتعلق بذلك. قال المصنف -رحمه الله-: "وفيه التفطن للكفر في هذا الموضع".

يشير إلى أن نسبة النعمة إلى غير الله كفر، ولهذا قطع بعض العلماء بتحريمه، وإن لم يعتقد تأثير النوء بإنزال المطر; فيكون من كفر النعم، لعدم نسبتها إلى الذي أنعم بها، ونسبتها إلى غيره، كما سيأتي في قوله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَ} 1.

قال القرطبي في شرح حديث زيد بن خالد: " وكانت العرب إذا طلع نجم من الشرق، وسقط آخر من المغرب فحدث عند ذلك مطر أو ريح، فمنهم من ينسبه إلى الطالع، ومنهم من ينسبه إلى الغارب نسبة إيجاد واختراع، ويطلقون ذلك القول المذكور في الحديث. فنهى الشارع عن إطلاق ذلك؛ لئلا يعتقد أحد اعتقادهم ولا يتشبه بهم في نطقهم". انتهى.

قوله: " فمنهم من ينسبه نسبة إيجاد" يدل على أن بعضهم كان لا يعتقد ذلك، كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} 2. فدل على أن منهم من يعرف ويقر بأن الله هو الذي أوجد المطر، وقد يعتقد هؤلاء أن للنوء فيه شيئا من التأثير، والقرطبي في شرحه لم يصرح أن العرب كلهم يعتقدون ذلك المعتقد الذي ذكره. فلا اعتراض عليه بالآية للاحتمال المذكور.

ولهما من حديث ابن عباس معناه، وفيه: " قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا. فأنزل الله هذه الآيات: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015