عليه وسلم فيصلون، فإذا قضوا الصلاة قعدوا أو خرجوا، ولم يكونوا يأتون القبر للسلام؛ لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل، وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك، أو للصلاة والدعاء فلم يشرعه لهم; بل نهاهم عنه في قوله: " لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني ". فبين أن الصلاة تصل إليه من بعد وكذلك السلام، ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد. وكانت الحجرة في زمانهم يُدخَل إليها من الباب، إذ كانت عائشة -رضي الله عنها- فيها، وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الآخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون عليه، لا للسلام ولا للصلاة، ولا للدعاء لأنفسهم ولا لغيرهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم، ولا كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلاما أو سلاما فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم، وبين لهم الأحاديث، أو أنه قد رد عليهم السلام بصوت يسمع من خارج، كما طمع الشيطان في غيرهم فأضلهم عند قبره1 وقبر غيره، حتى ظنوا أن صاحب القبر يأمرهم وينهاهم ويفتيهم ويحدثهم في الظاهر، وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجا من القبر، ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت تكلمهم، وأن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي صلي الله عليه وسلم ليلة المعراج.

والمقصود: أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يكونوا يعتادون الصلاة والسلام عليه عند قبره كما يفعله من بعدهم من الخلوف، وإنما كان بعضهم يأتي من خارج فيسلم عليه إذا قدم من سفر، كما كان ابن عمر يفعله. قال عبيد الله بن عمر عن نافع: " كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلي الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله. السلام عليك يا أبا بكر. السلام عليك يا أبتاه ثم ينصرف "2 قال عبيد الله ما نعلم أحدا من أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر وهذا يدل على أنه لا يقف عند القبر للدعاء إذا سلم كما يفعله كثير.

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: " لأن ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة، فكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015