والحمام "1 رواه أحمد وأهل السنن وصححه ابن حبان والحاكم.

قال ابن القيم -رحمه الله-: وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وفهم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم مقاصده، جزم جزما لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة واللعن والنهي بصيغته - صيغة "لا تفعلوا"، وصيغة "إني أنهاكم عن ذلك"- ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة لمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه، وقل نصيبه أو عُدم من "لا إله إلا الله" فإن هذا وأمثاله من النبي صلي الله عليه وسلم صيانة لحمى التوحيد أن يلحقه الشرك ويغشاه، وتجريد له وغضب لربه،

وهو معنى قولها: "خشي أن يتخذ مسجدا"؛ فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا. وكل موضع قُصد الصلاة فيه فقد اتُّخذ مسجدا، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا كما قال صلي الله عليه وسلم: " جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " 2.

أن يعدل به سواه، فأبى المشركون إلا معصية لأمره وارتكابا لنهيه، وغرهم الشيطان بأن هذا تعظيم لقبور المشايخ والصالحين. وكلما كنتم لها أشد تعظيما وأشد فيهم غلوا كنتم بقربهم أسعد، ومن أعدائهم أبعد، ولعمر الله، من هذا الباب دخل الشيطان على عبّاد يعوق ويغوث ونسر; ودخل على عباد الأصنام منذ كانوا إلى يوم القيامة; فجمع المشركون بين الغلو فيهم والطعن في طريقتهم، فهدى الله أهل التوحيد لسلوك طريقتهم وإنزالهم منازلهم التي أنزلهم الله إياها من العبودية وسلب خصائص الإلهية عنهم.

قال الشارح -رحمه الله تعالى-: وممن علل بخوف الفتنة بالشرك: الإمام الشافعي، وأبو بكر الأثرم، وأبو محمد المقدسي، وشيخ الإسلام وغيرهم -رحمهم الله-. وهو الحق الذي لا ريب فيه.

قوله: "فإن الصحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره مسجدا" أي لما علموا من تشديده في ذلك وتغليظه النهي عنه، ولعن من فعله.

قوله: "وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا" أي وإن لم يبن مسجد، بل كل موضع يصلى فيه يسمى مسجدا، يعني وإن لم يقصد بذلك، كما إذا عرض لمن أراد أن يصلي فأوقع الصلاة في ذلك الموضع الذي حانت الصلاة عنده من غير أن يقصد ذلك الموضع بخصوصه، فصار بفعل الصلاة فيه مسجدا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015