قال: "وقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 1" بين تعالى أن المشركين من العرب ونحوهم، قد علموا أنه لا يجيب المضطر ويكشف السوء إلا الله وحده2، فذكر ذلك سبحانه محتجا عليهم في اتخاذهم الشفعاء من دونه، ولهذا قال: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} 3 يعني يفعل ذلك. فإذا كانت آلهتهم لا تجيبهم في حال الاضطرار فلا يصلح أن يجعلوها شركاء لله الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وحده. وهذا أصح ما فسرت به الآية كسابقتها من قوله: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} 4. ولاحقتها إلى قوله: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُون أَمَّنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 5.

فتأمل هذه الآيات يتبين لك أن الله تعالى احتج على المشركين بما أقروا به

وروى الطبراني بإسناده " أنه كان في زمن النبي صلي الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين، قال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلي الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي: إنه لا يُستغاث بي، وإنما يستغاث بالله " 6.

على ما جحدوه من قَصْر العبادة جميعها عليه، كما في فاتحة الكتاب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 7.

قال أبو جعفر ابن جرير: قوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} 8 إلى قوله: {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} يقول - تعالى ذكره -: "أم ما تشركون بالله خير، أم الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء النازل به عنه؟ وقوله: {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} 9 يقول: يستخلف بعد أمواتكم في الأرض منكم خلفاء أحياء يخلفونهم، وقوله: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} 10 أإله سواه يفعل هذه الأشياء بكم وينعم عليكم هذه النعم؟ وقوله: {قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} 11

طور بواسطة نورين ميديا © 2015