التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه. فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع! " انتهى.

قلت: وهذا هو الشرط المصحح لقوله: "لا إله إلا الله" فلا يصح قولها بدون هذا الخمس التي ذكرها المصنف - رحمه الله - أصلا. قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} 1.

وقال: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} 2 أمر بقتالهم حتى يتوبوا من الشرك ويخلصوا أعمالهم لله تعالى، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإن أبوا عن ذلك أو بعضه قوتلوا إجماعا.

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " 3 وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " وهذان الحديثان تفسير الآيتين: آية الأنفال، وآية براءة. وقد أجمع العلماء على أن من قال: "لا إله إلا الله" ولم يعتقد معناها ولم يعمل بمفتضاها، أنه يقاتل حتى يعمل بما دلت عليه من النفي والإثبات.

قال أبو سليمان الخطابي - رحمه الله - في قوله: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" معلوم أن المراد بهذا أهل عبادة الأوثان، دون أهل الكتاب؛ لأنهم يقولون: "لا إله إلا الله"، ثم يقاتلون ولا يرفع عنهم السيف".

وقال القاضي عياض: اختصاص عصمة المال والنفس بمن قال: "لا إله إلا الله" تعبير عن الإجابة إلى الإيمان، وأن المراد بذلك مشركو العرب وأهل الأوثان، فأما غيرهم ممن يقر بالتوحيد، فلا يكتفى في عصمته بقول: "لا إله إلا الله"؛ إذ كان بقولها في كفره. انتهى ملخصا.

وقال النووي: لا بد مع هذا من الإيمان بجميع ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015