اختلاف التقديرين، والأرجح حملها على الردع لأنه الغالب فيها، وذلك نحو قوله تعالى {أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا كلا سنكتب ما يقول} [مريم: 78 - 88] وقوله جل شأنه: {واتخذوا من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا} [مريم: 81 - 82].
وقد تتعين للردع، أو الاستفتاح، نحو قوله جل شأنه: {رب ارجعون لعلي أعمل صالحًا فيما تركت كلا إنها كلمة} [المؤمنون: 99 - 100] لأنها لو كانت بمعني حقًا، لما كسرت همزة إن، ولو كانت بمعني نعم لكانت للوعد بالرجوع لأنها بعد الطلب، كما يقال: أكرم فلانًا، فنقول: نعم، ونحو قوله جل ذكره: {قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين} [الشعراء: 61 - 62] وذلك لكسر همزة إن، ولأن نعم بعد الخبر للتصديق.
وقد يمتنع كونها للزجر، نحو قوله تعالى: {وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر} [المدثر: 31 - 32] وليس قبلها ما يصح ره، وقول الطبري وجماعة: إنه لما نزل في عدد خزنة جهنم قوله تعالى: {عليها تسعة عشر} [المدثر: 30] قال بعضهم: اكفوني اثنين، وأنا أكفيكم سبعة عشر، فنزل (كلا) زجرا له تعسف، لأن الآية لم تتضمن ذلك اهـ مغني اللبيب.
أقول: ويتلخص من هذا أن الأكثر في كلا أن تكون حرف ردع وزجر، وذلك إذا سبقها كلام يستدعي ذلك، ولا ردع في سورة الانفطار، ولا في سورة العلق، ولا في سورة المطففين، وما جرى مجراهن، وإنما هي للتنبيه والاستفتاح كما هو واضح، وتكون حرف جواب بمعنى إي، كما في قوله تعالى: {كلا والقمر} ولا تكون بمعنى حقًا كما بينه ابن هشام لعدم فتح همزة إن بعدها، ونقل الجمل عن السمين للنحويين فيها ستة مذاهب والمعتمد ما لخصته، وبالله التوفيق، وبه أستعين.