فَأَجَابَ شَيْخَانِ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ الْمُقِيمِينَ بِالْجَامِعِ الْأَحْمَدِيِّ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِالْبَحْثِ فِي كُتُبُ الْمَذْهَبِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا وُجِدَ نَصٌّ عَنْ الدُّلَجِيِّ وَالْمَحَلِّيِّ، وَهُوَ إنْ قَالَ لَهَا: رُوحِي طَالِقًا ثَلَاثًا كَانَ كِنَايَةً لَا وُقُوعَ بِهِ إلَّا بِالْقَصْدِ الْقَلْبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْكِنَايَاتِ، وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَرِينَةِ الظَّاهِرِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَالْمُشَاجَرَةِ، وَغَيْرِهَا، ثُمَّ قَدْ صَرَّحَ فِي الْمِنْهَاجِ بِتَصْحِيحِ اشْتِرَاطِ قَصْدِ الْإِيقَاعِ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ فَلَوْ عَزَبَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَعَلَيْهِ لَا وُقُوعَ بِكِنَايَةٍ عَلَى الْعَوَامّ أَصْلًا لِعُسْرِ مُرَاقَبَتِهِمْ الْقَصْدَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: الْمَذْكُورُ قَبْلَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ الْحَلَبِيِّ وَالرَّمْلِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ، وَالْكِنَايَةُ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ، وَلَا يَقَعُ بِهَا إلَّا بِالنِّيَّةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَوَّلِ اللَّفْظِ وَإِنْ عَزَبْت عَلَى الْمُعْتَمَدِ اهـ بِاخْتِصَارٍ فَمِنْ كَوْنِ رُوحِي طَالِقًا ثَلَاثًا كِنَايَةً، وَمِنْ تَصْرِيحِ الْمِنْهَاجِ بِتَصْحِيحِ اشْتِرَاطِ قَصْدِ الْإِيقَاعِ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ الْمُسْتَلْزِمِ ذَلِكَ عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى الْعَوَامّ بِكِنَايَةٍ أَصْلًا لِعُسْرِ مُرَاقَبَتِهِمْ الْقَصْدَ الْمَذْكُورَ لِعَدَمِ فَهْمِهِمْ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: يُعْلَمُ أَنَّ فِيهَا قَوْلًا ضَعِيفًا بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الْعَامِّيِّ بِقَوْلِهِ: رُوحِي طَالِقًا ثَلَاثًا مَعَ قَصْدِ الْإِيقَاعِ لِعَدَمِ اسْتِصْحَابِ الْقَصْدِ مِنْهُ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ، وَمِثْلُهُ تَرُوحِي طَالِقًا بِالثَّلَاثِ وَلَكِنْ يُسْأَلُ الْعَامِّيُّ احْتِيَاطًا فِيهِمَا أَيْ فِي تَرُوحِي، وَرُوحِي، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ عَدَمَ اسْتِصْحَابِ الْقَصْدِ مِنْ أَوَّلِ اللَّفْظِ إلَى آخِرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَأَمْلَى بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ مِمَّنْ يَتَعَاطَى الْإِفْتَاءَ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ مَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ نَعَمْ الْمُفْتَى بِهِ فِي رُوحِي طَالِقًا صَرَاحَةُ هَذَا اللَّفْظِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْحَالِفُ بِذَلِكَ عَامِّيًّا أَوْ عَالِمًا إذْ لَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ إلَّا فِي فِكَاكِ الْعِصْمَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَفْهَمُهُ كُلُّ إنْسَانٍ مُطْلَقًا، وَلَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِكَوْنِهِ كِنَايَةً إذْ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَحِينَئِذٍ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى.
وَكُتِبَ عَلَى ظَهْرِ الْوَرَقَةِ الَّتِي فِيهَا جَوَابُ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مَا نَصُّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُدَرِّسِي الشَّافِعِيَّةِ بِالْجَامِعِ الْأَزْهَرِ مَا نَصُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْغَالِبُ عَلَى الْعَوَامّ أَنَّهُمْ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ أَعْنِي رُوحِي أَوْ تَرُوحِي طَالِقًا إلَّا الطَّلَاقَ فَلَا يَسْتَعْمِلُونَهُ، وَيَقْصِدُونَ مِنْهُ إلَّا الطَّلَاقَ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً بِحَسَبِ، وَضْعِهِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ قَدْ صَرَفَهُ فَهْمُ الْعَوَامّ، وَاسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ فِي الطَّلَاقِ إلَى لُحُوقِ الطَّلَاقِ بِهِ تَبَعًا لِقَصْدِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ إفْتَاؤُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ نَظَرًا لِفَهْمِهِمْ فَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْحَالِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى وَوَضَعُوا كُلُّهُمْ أَخْتَامَهُمْ عَلَى مَا كَتَبُوا عَلَيْهِ.
أَقُولُ: الصَّوَابُ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخَانِ الْأَزْهَرِيَّانِ وَأَمَّا فَتْوَى الشَّيْخَيْنِ الْأَحْمَدِيَّيْنِ فَهِيَ خَطَأٌ، وَإِضْلَالٌ، وَفَتْحٌ لِبَابٍ عَظِيمٍ مِنْ الشَّرِّ، وَإِفْسَادُ دِينِ الْعَوَامّ، وَحَمْلُهُمْ عَلَى التَّسَاهُلِ فِي تَطْلِيقِ زَوْجَاتِهِمْ بِالثَّلَاثِ، وَاسْتِمْرَارِ مُعَاشَرَتِهِنَّ بَعْدَ ذَلِكَ مُعَاشَرَةَ الزَّوْجَاتِ، وَفِيهَا تَنَاقُضٌ فَإِنَّ قَوْلَهُمَا قَوْلًا ضَعِيفًا يُنَاقِضُ تَفْرِيعَهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ الْمُقْتَضِي اعْتِمَادَهُ، وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِ ابْنِ شُهْبَةَ، وَإِنْ عَزَبْت عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَقَوْلُهُمْ لِعُسْرِ مُرَاقَبَتِهِمْ الْقَصْدُ الْمَذْكُورُ كَذِبٌ، وَمُكَابَرَةٌ، وَإِنْكَارٌ لِلْمَحْسُوسِ الْجَارِي بِهِ عُرْفُ الْعَوَامّ، وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ عَدَمِ دُخُولِ الصِّيغَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي تَعْرِيفِ الْكِنَايَةِ الَّذِي نَقَلَاهُ عَنْ الْحَلَبِيِّ وَالرَّمْلِيِّ وَابْنِ حَجَرٍ فَإِنَّ الصِّيغَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ لَا تَحْتَمِلَانِ غَيْرَ الطَّلَاقِ لِوَضْعِهِمَا لَهُ لُغَةً وَاسْتِعْمَالهمَا فِيهِ عُرْفًا دَائِمًا مِنْ الْعَوَامّ، وَالْعُلَمَاءِ، وَقَوْلُهُمَا وَلَكِنْ يُسْأَلُ إلَخْ يُنَاقِضُ جَزْمَهُمَا أَوَّلًا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ، وَيُنَاقِضُ الْفَتْوَى