طَرِيقَتِهِمْ الَّذِينَ هُمْ يَتَعَاوَنُونَ بِحَالٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا بُغْضٍ لِخِرْقَةِ غَيْرِهِمْ بَلْ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ:
فَنَادِمْنِي بِمِثْلِ لِسَانِ حَالِي ... تُرِحْنِي وَأَطْرَبُ مِنْ قَرِيبِ
وَالْمُدَّعُونَ الْيَوْمَ أَفْسَدُوا الْأَوْضَاعَ وَاقْتَصَرُوا عَلَى الصُّوَرِ الظَّاهِرِيَّةِ.
وَاعْلَمْ بِأَنَّ طَرِيقَ الْقَوْمِ دِرَاسَةٌ وَحَالُ مَنْ يَدَّعِيهَا الْيَوْمَ كَمَا تَرَى.
(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ قَالَ يَجُوزُ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى مَنَامًا فِي صُورَةِ رَجُلٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَيْتُ رَبِّي فِي صُورَةِ شَابٍّ» وَقَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ تَشَكَّلَ مَا لَا يَتَشَكَّلُ فِي الْمَنَامِ جَائِزٌ وَنَوْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَا أَفِيدُوا الْجَوَابَ.
فَأَجَبْتُ بِمَا نَصُّهُ: " الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُنَزَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْحَوَادِثِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سَيِّدِ كُلِّ حَادِثٍ، قَوْلُهُ تَجُوزُ رُؤْيَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي صُورَةِ رَجُلٍ بَاطِلٍ لِوُجُوبِ مُخَالَفَتِهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لِلْحَوَادِثِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ إنْ صَحَّ يُؤَوَّلُ بِتَقْدِيرٍ مُضَافٍ أَيْ مَلِكَ رَبِّي أَوْ جُعِلَ فِي صُورَةِ شَابٍّ حَالًا مِنْ تَاءِ رَأَيْتُ أَيْ حَالَ كَوْنِي فِي صُورَةِ شَابٍّ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنْ صَحَّ مَعْنَاهُ مَا لَا يَتَشَكَّلُ مِنْ الْحَوَادِثِ الْقَابِلَةِ لِلتَّشَكُّلِ مَا لَا يَشْمَلُ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ التَّشَكُّلُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَقَوْلُهُ نَوْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّسْبَةِ لِلرُّؤْيَا كَغَيْرِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ رُؤْيَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْيٌ كَسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَقَدْ نَادَى هَذَا الْقَائِلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْجَهْلِ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَصِفَاتِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَسَاءَ الْأَدَبَ فِي حَقِّهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ عَلَى جَوْهَرَتِهِ اُخْتُلِفَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ وَمُعْظَمُ الْمُثْبِتِينَ لِلرُّؤْيَةِ فِي الدُّنْيَا عَلَى جَوَازِهَا مِنْ غَيْرِ كَيْفِيَّةٍ وَجِهَةٍ، وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ وَصِحَّتِهَا وَإِنْ رَآهُ الْإِنْسَانُ عَلَى صِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِجَلَالِهِ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ كَانَ ذَلِكَ الْمَرْئِيُّ غَيْرَ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إذْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - التَّجْسِيمُ وَلَا اخْتِلَافُ الْأَحْوَالِ قَالَ الْقَرَافِيُّ عَقِبَ كَلَامِ عِيَاضٍ هَذَا إنْ ادَّعَاهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا كَوَلِيٍّ يُوثَقُ بِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِلْعُمُومَاتِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 103] وَإِذَا قُبِلَ خَبَرُ الْوَلِيِّ فِي الْكَرَامَةِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ الْمُخَصِّصَةِ لِلْعُمُومَاتِ الْقَطْعِيَّةِ فَأَوْلَى فِي تَخْصِيصِ الْعُمُومِ الظَّنِّيِّ وَأَمَّا إنْ دَعَاهَا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا كَالْعَاصِي وَالْمُقَصِّرِ فَإِنَّهُ يُكَذِّبُ هَذَا كُلَّهُ إذَا رَآهُ تَعَالَى عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَكَمَالِهِ كَمَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا رُؤْيَتُهُ تَعَالَى عَلَى مَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ تَعَالَى كَرُؤْيَتِهِ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ يَتَقَاضَى مِنْ الرَّائِي أَمْرًا أَوْ يَأْمُرُهُ بِأَمْرٍ أَوْ يَنْهَاهُ عَنْ شَرٍّ وَيَقُولُ لَهُ أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي فَهُوَ أَيْضًا جَائِزٌ وَتَكُونُ رُؤْيَا تَأْوِيلٍ فَتَدُلُّ عَلَى مَا كَانَ