الْوَخْزَةِ إلَى الْآنِ وَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ طَمِعَ قَوْمٌ فِي فُرْصَةٍ فِي عَدُوٍّ قُرْبَهُمْ وَخَشُوا إنْ أَعْلَمُوا الْإِمَامَ يَمْنَعُهُمْ فَوَاسِعٌ خُرُوجُهُمْ وَأَحَبَّ إلَى أَنْ يَسْتَأْذِنُوهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَمِعْت أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ إنْ نَهَى الْإِمَامُ عَنْ الْقِتَالِ لِمَصْلَحَةٍ حُرِّمَتْ مُخَالَفَتُهُ إلَّا أَنْ يَزْحَمَهُمْ الْعَدُوُّ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ طَاعَةُ الْإِمَامِ لَازِمَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ مَا لَمْ يَأْمُرْ بِمَعْصِيَةٍ وَمِنْ الْمَعْصِيَةِ النَّهْيُ عَنْ الْجِهَادِ الْمُتَعَيِّنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[حَقِيقَةِ الصُّلْحِ]

وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُذَيَّلَ بِهِ مَا وَقَعَ مِنْ جَوَابِ السُّؤَالِ بَيَانُ حَقِيقَةِ الصُّلْحِ لُغَةً وَشَرْعًا وَبَيَانُ الْمُمْتَنَعِ مِنْهُ وَالْجَائِزِ بِمَالٍ، أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ بِالْمُهَادَنَةِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هَادَنَهُ صَالَحَهُ وَالِاسْمُ الْهُدْنَةُ، وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فِي الْعُرْفِ الْفِقْهِيِّ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ تَوَافُقِ إمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَرْبِيِّينَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ بَيْنَهُمْ مُدَّةً لَا يَكُونُ فِيهَا تَحْتَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ فَقَوْلُنَا الْإِمَامُ يَخْرُجُ مِنْ سِوَاهُ مَنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ فَلَا يَتِمُّ، وَلَوْ كَانَ أَمِيرُ السُّرِّيَّة وَبَقِيَّةُ الرَّسْمِ مَخْرَجًا لِلْأَمَانِ وَالِاسْتِئْمَانِ وَذِكْرُ الْمُدَّةِ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا مَوْكُولَةٌ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ مَا لَمْ تَطُلْ وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ تَنْكِيرِهَا، فَإِنَّهَا لِلنَّوْعِيَّةِ.

وَأَمَّا حُكْمُهُ فَالْجَوَازُ إنْ اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمَنْعُ إنْ تَضَمَّنَ مَفْسَدَةً عَلَيْهِمْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ إنْ رَجَا الْإِمَامُ فَتْحَ حِصْنٍ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ صُلْحُ أَهْلِهِ عَلَى مَالٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى إيَاسٍ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِصُلْحِهِمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ كَصُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ مَصْلَحَةً وَلَا مَفْسَدَةً فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تُوهِينِ الْجِهَادِ، فَإِنْ نَزَلَ مَضَى مَا لَمْ تَتَبَيَّنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ بَعْدَ عَقْدِهِ فَيُنْتَقَضُ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونَ: وَلَوْ هَادَنَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى مَالٍ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُمْ غَرُّوا بِالْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْبِذْهُ حَتَّى يَرُدَّ مَا أُخِذَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ إنْ بَانَ ذَلِكَ لِمَنْ بَعْدَهُ وَلَا يَحْبِسُ مِنْ الْمَالِ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الْأَجَلِ.

قَالَ سَحْنُونٌ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَقْضُ الصُّلْحِ لِغَيْرِ بَيَانِ خَطَئِهِ فِيهِ، وَلَوْ رَدَّ مَا أُخِذَ إلَّا بِرِضًا مِنْ عَاقِدِهِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُ قَالَ كَرِهَ عُلَمَاؤُنَا الْمُهَادَنَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِينَا أَهْلُ الْحَرْبِ مَالًا كُلَّ عَامٍ قَالَ مُحَمَّدٌ، وَإِنَّمَا «هَادَنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ مَكَّةَ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ» هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصُّلْحِ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ الْإِمَامُ، أَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ بِمَالٍ يُعْطِيه الْمُسْلِمُونَ لَهُمْ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَا يُهَادِنْ الْعَدُوَّ بِإِعْطَائِهِ مَالًا؛ لِأَنَّهُ عَكْسُ مَصْلَحَةِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ إلَّا لِضَرُورَةِ التَّخَلُّصِ مِنْهُ لِخَوْفِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ «، وَقَدْ شَاوَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَحَاطَتْ الْقَبَائِلُ بِالْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي أَنْ يَبْذُلَ الْمُسْلِمُونَ ثُلُثَ الثِّمَارِ لَمَّا خَافَ أَنْ يَكُونَ الْأَنْصَارُ مَلَّتْ الْقِتَالَ فَقَالَا إنْ كَانَ هَذَا مِنْ اللَّهِ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، وَإِنْ كَانُوا رَأْيًا فَمَا أَكَلُوا مِنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثَمَرَةً إلَّا بِشِرَاءٍ فَكَيْفَ، وَقَدْ أَعَزَّنَا اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزْمَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ تَرَكَ ذَلِكَ» فَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ جَوَازُ إعْطَاءِ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَوْصُوفِ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يُشَاوِرْ فِيهِ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكِنَّهُ قَدْ شَاوَرَ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَبَيَانُ الْمُلَازَمَةِ هُوَ أَنَّ الْمُشَاوَرَةَ فِي دَفْعِ الْمَالِ مَلْزُومَةٌ لَهُمْ بِدَفْعِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُوَافَقَةِ عَلَى إعْطَائِهِ وَلَا يُهِمُّ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُمْتَنَعٍ، وَأَمَّا بَيَانُ الْمُقَدِّمَةِ الِاسْتِثْنَائِيَّة تِثْنَائِيَّةِ فِيمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ السِّيَرِ وَاَللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ الْمُوَفِّقُ بِفَضْلِهِ لَا رَبَّ سِوَاهُ انْتَهَى.

[مَسَائِلُ الْجِزْيَةِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَسَائِلُ الْجِزْيَةِ (مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَيَقْصِدُونَ بِهِ الِاسْتِعْلَاءَ عَلَى الْمِلَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنْ عَمَلِهِمْ الْأَفْرَاحَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015