مَنْعُهُ مِنْهُ وَإِلْزَامُهُ الْعَمَلَ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ مَعَهُ الْمِفْتَاحُ قَدْ جَرَى عَمَلُ الْمَاضِينَ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَلَا بِفَتْوَى تَاجِ الدِّينِ الْقَلَعِيِّ بِذَلِكَ لِمُخَالِفَتِهَا لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ.
وَصُورَةُ السُّؤَالِ مَا قَوْلُكُمْ فِيمَا يُعْطَاهُ فَاتِحُ الْكَعْبَةِ هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا وُجِدَ صَكٌّ بِأَنَّ الْعَادَةَ قِسْمَةُ الْكِسْوَةِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى بَنِي شَيْبَةَ بِالسَّوِيَّةِ يُعْمَلُ بِهِ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَا يُعْطَاهُ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ فَهُوَ لَهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ بِرٌّ وَصَدَقَةٌ أَوْصَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلَيْهِ لَا يَظْهَرُ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ الْقَدِيمَةُ فَنَصَّ الْفَخْرُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ مِنْ فَتْوَاهُ عَلَى أَنَّ دِيبَاجَ الْكَعْبَةِ إذَا صَارَ خَلَقًا يَبِيعُهُ السُّلْطَانُ وَيَسْتَعِينُ بِهِ فِي أَمْرِهَا اهـ وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَا يَجُوزُ قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ، وَلَا نَقْلُهُ، وَلَا بَيْعُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ، وَلَا وَضْعُهُ بَيْنَ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ رَدُّهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمْ يُبَاعُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى عَنْ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمَا مَنْ أُعْطِيَ شَيْئًا مِنْهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ فَلَا يَأْخُذْهُ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَفِي مَنْظُومَةِ الطُّوسِيِّ:
وَمَا عَلَى الْكَعْبَةِ مِنْ لِبَاسٍ ... إنْ رَثَّ جَازَ بَيْعُهُ لِلنَّاسِ
، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ بِلَا ثَمَنٍ لِلْأَغْنِيَاءِ، وَلَا لِلْفُقَرَاءِ وَقَالَ قُطْبُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ السُّلْطَانِ فَأَمْرُهَا يَرْجِعُ إلَيْهِ يُعْطِيهَا لِمَنْ يَشَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَوْقَافِ فَهِيَ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَإِنْ جَهِلَ عَمِلَ فِيهَا بِمَا اُعْتِيدَ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ بَنِي شَيْبَةَ بِأَخْذِهَا فَيُبْقَوْنَ عَلَى عَادَتِهِمْ، وَلَا يُعْمَلُ بِالصَّكِّ الْمَذْكُورِ، فَفِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ: وَالْحُجَّةُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ إقْرَارٌ أَوْ نُكُولٌ عَنْ يَمِينٍ أَوْ قَسَامَةٌ اهـ وَلَيْسَ مِنْهَا الصَّكُّ.
وَفِي فَتَاوَى الرَّمْلِيِّ لَا يُعْمَلُ بِمُجَرَّدِ الدَّفْتَرِ، وَلَا بِمُجَرَّدِ الْحُجَّةِ أَيُّ صَكٍّ لِلْقَاضِي، فَقَدْ صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِعَدَمِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْخَطِّ وَعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ كَمَكْتُوبِ الْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ خُطُوطُ الْقُضَاةِ الْمَاضِينَ، وَإِنَّمَا الْعَمَلُ عَلَى الْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ مِنْ فَتَاوَى الْقَلَعِيِّ
وَهَذِهِ الْفَتْوَى مُخَالِفَةٌ لِلنُّصُوصِ السَّابِقَةِ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصُ صَاحِبِ الْمِفْتَاحِ مِمَّا يُعْطَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مُسْتَنَدًا لَوْ لَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعَ ذِكْرِهِ النُّصُوصَ فِي الْكِسْوَةِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ الْمُسْتَنِدُونَ لِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى اشْتَرَاك بَنِي شَيْبَةَ فِيمَا يَصِلُ إلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْكَعْبَةِ، فَلَوْ جَرَى عَمَلُهُمْ عَلَى اخْتِصَاصِ صَاحِبِ مِفْتَاحِهَا بِهِ لَوَجَبَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ رَدُّهُمْ إلَى الِاشْتِرَاكِ فِيهِ عَمَلًا بِنَصِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ فِيمَا نَصَّ الْمُعْطِي عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ إعْطَاؤُهُ سَهْمًا زَائِدًا مِنْهُ فِي نَظِيرِ فَتْحِهِ وَإِغْلَاقِهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْخِدْمَةِ فَهُوَ أُجْرَةُ عَمَلِهِ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ