اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ، وَأُغْمِيَ الْهِلَالُ هَلْ لَهُ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى حِسَابِهِ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ يَعْمَلُ فِي خَاصَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةٍ.
وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالنُّجُومِ فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ سَمْتُ الْقِبْلَةِ، وَأَجْزَاءُ اللَّيْلِ جَائِزٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ.
وَأَمَّا النَّظَرُ فِي أَمْرِهَا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ نُقْصَانِ الشُّهُورِ مِنْ كَمَالِهَا دُونَ رُؤْيَةِ أَهِلَّتِهَا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِمَا لَا يَعْنِي إذْ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّلَ فِي صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ عَلَى ذَلِكَ فَيَسْتَغْنِي عَنْ النَّظَرِ إلَى الْأَهِلَّةِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ إذَا أُغْمِيَ الْهِلَالُ هَلْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا فَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الشِّخِّيرِ يَعْمَلُ فِي خَاصَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ اهـ.
وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْإِمَامِ الَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ أَنَّهُ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَلَا يُتَّبَعُ اهـ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ كُنْت أُنْكِرُ عَلَى الْبَاجِيِّ نَقْلَهُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ لِتَصْرِيحِ أَئِمَّتِهِمْ بِلَغْوِهِ حَتَّى رَأَيْتُهُ لِابْنِ سُرَيْجٍ، وَقَالَهُ بَعْضُ التَّابِعِينَ، وَقَدْ رَدَّ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَتِهِ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ، وَبَالَغَ فِي ذَلِكَ، وَأَطَالَ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ، وَقَاعِدَةُ رُؤْيَةِ الْأَهِلَّةِ فِي الرَّمَضَانَاتِ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهَا بِالْحِسَابِ، وَفِيهِ قَوْلَانِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّة
وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْحِسَابِ قَالَ سَنَدٌ إنْ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى الْحِسَابَ فَأَثْبَتَ الْهِلَالَ بِهِ لَمْ يُتَّبَعْ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ اهـ.
وَقَالَ الْإِمَامُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِ فَلَا يَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ، وَلَا يَجُوزُ، وَالْمُرَادُ بِآيَةِ {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] الِاهْتِدَاءُ فِي أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِهِ كَالصَّلَاةِ، وَلِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئْهُ عَنْ فَرْضِهِ، وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا جَازَ أَجْزَأَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ قَالَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ شَرْطَ النِّيَّةِ الْجَزْمُ قَالَ، وَالْحَاسِبُ، وَهُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَنَازِلَ الْقَمَرِ، وَتَقْدِيرَ سَيْرِهِ فِي مَعْنَى الْمُنَجِّمِ، وَهُوَ مَنْ يَرَى أَوَّلَ الشَّهْرِ طُلُوعَ النَّجْمِ الْفُلَانِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِمَا مَعًا فِي الْمَجْمُوعِ اهـ.
قَوْلُهُ: وَلَا عِبْرَةَ أَيْ فِي ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ: لَهُ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ بِحِسَابِهِ أَيْ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِشَرْطِ الْإِغْمَاءِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُخَالِفَةٌ لِلْمَعْلُومِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَعَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا عَلَيْهَا فِي الْإِجْزَاءِ، وَعَدَمِهِ، وَقَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ لِفَرْقِ الْإِمَامِ الْقَرَافِيُّ بَيْنَهُمَا قَالَ، وَالْفَرْقُ هَاهُنَا، وَهُوَ عُمْدَةُ السَّلَفِ، وَالْخَلَفِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ، وَتَعَالَى نَصَّبَ زَوَالَ الشَّمْسِ سَبَبًا لِوُجُوبِ الظُّهْرِ، وَكَذَلِكَ