وَالْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ رِيحُهَا مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ مُنْتِنًا وَالدُّخَانُ رِيحُهُ مُنْتِنٌ كَرِيحِ الْجِيفَةِ وَالْعَذِرَةِ، وَالْوِجْدَانُ شَاهِدُ صِدْقٍ بِذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ الْعُدُولُ الَّذِينَ اسْتَعْمَلُوا الدُّخَانَ وَتَرَكُوهُ وَاَلَّذِينَ أَصَرُّوا عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَكَمَ بِضَرَرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ شَكَّ فِيهِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِاخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ وَالْحَالِ وَالْمَآلِ وَلَكِنَّ الْجَمْعَ الْأَغْلَبَ وَالْفَرِيقَ الَّذِي جَانِبُ الْحَقِّ إلَيْهِ أَقْرَبُ لِزِيَادَةِ دِيَانَتِهِمْ وَحُسْنِ تَحَفُّظِهِمْ فِي مُعَامَلَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ وَتَحَرِّيهِمْ الصِّدْقَ فِي الْأَقْوَالِ وَظُهُورِ خَشْيَتِهِمْ لِلَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِي الْأَعْمَالِ بِحَيْثُ أَنَّهُمْ أَصْلَحُ الْمَوْجُودِينَ وَأَمْثَلُ مَا يَأْخُذُ الْحَازِمُ بِخَبَرِهِ مِنْ الْمُخْبِرِينَ مَعَ اعْتِنَائِهِمْ بِضَبْطِ الْأُمُورِ وَعَدَمِ تَهَوُّرِهِمْ فِي الْأَخْبَارِ أَخْبَرُوا أَنَّهُ يُحْدِثُ قُوَّةً فِي الْجِسْمِ وَحِدَّةً فِي الْبَصَرِ وَهَضْمًا لِلطَّعَامِ وَنَشَاطًا فِي الْأَعْضَاءِ فِي ابْتِدَائِهِ وَيُورِثُ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ غِشَاوَةً فِي الْبَصَرِ وَثِقَلًا فِي الْأَعْضَاءِ وَإِمْسَاكًا فِي الْهَاضِمَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ مُجَفَّفٌ كَمَا مَرَّ فَيُورِثُ فِي ابْتِدَائِهِ مَا ذَكَرُوهُ أَوَّلًا وَفِي انْتِهَائِهِ مَا ذَكَرُوهُ ثَانِيًا.
فَإِنْ قِيلَ الْإِنْكِلِيزُ لَازَمُوا اسْتِعْمَالَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عِلَّةً وَلَا ضَرَرًا قُلْت يُحْتَمَلُ كَتْمُهُمْ ذَلِكَ تَوَصُّلًا لِتَغْرِيرِ الْمُسْلِمِينَ لِسَلْبِ أَمْوَالِهِمْ وَتَضْيِيعِ صَلَوَاتِهِمْ وَإِتْلَافِ أَبْدَانِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ وَأَيْضًا قُطْرُهُمْ شَدِيدُ الْمَيْلِ عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ فَأَرْضُهُمْ شَدِيدَةُ الْبَرْدِ وَغَلَبَتْ الرُّطُوبَةُ وَالْخَلْطُ الْبَلْغَمِيُّ عَلَى أَبْدَانِهِمْ فَلَا يُسْرِعُ فِيهَا الْجَفَافُ وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مَنْ اسْتَعْمَلَهُ لِتَقْوِيَةِ بَصَرِهِ وَتَغَالَى فِي مَدْحِهِ نَثْرًا وَنَظْمًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ صَارَ لَا يَنْظُرُ إلَّا بِالْقُزَّازِ ثُمَّ عَمِيَ بَعْدَ خَمْسِ سِنِينَ وَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ لِلْهَضْمِ وَإِزَالَةِ الثِّقَلِ عَنْ مَعِدَتِهِ فَزَادَ عَلَيْهِ الثِّقَلُ وَمَنْ اسْتَعْمَلَهُ لِلسَّهَرِ فَأَخَذَهُ الدُّوَارُ فِي دِمَاغِهِ وَصَارَ يَتَمَايَلُ فِي مَشْيِهِ تَمَايُلَ السَّكْرَانِ فَلَا تُعَوِّلُ يَا أَخِي عَلَى قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ مُسْتَعْمِلِيهِ بِنَفْعِهِ، وَأَنَّهُ دَوَاءٌ فَقَدْ زَعَمُوا ذَلِكَ فِي الْخَمْرِ الْمُحَرَّمَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ مَعَ إخْبَارِهِ بِنَفْعِهَا وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا وَسُلِبَ بِهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرٍ «لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْهَا» عَلَى أَنَّ النَّفْعَ إذَا قَابَلَهُ الضَّرَرُ قُدِّمَ جَانِبُ الضَّرَرِ وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُمْ الْبَطَالَةُ وَالْجَهَالَةُ وَصُحْبَةُ أَهْلِهِ فَلَا تُمْكِنُهُمْ مُخَالَفَتُهُمْ وَكَانَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يُفْتِي بِتَحْرِيمِهِ جَهْرَةً عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَيَسْتَعْمِلُهُ سِرًّا مَعَ الْأَجْنَادِ وَغَفَلَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]
وَيَا عَجَبًا حَيْثُ لَزِمَ عَلَى دَعْوَاهُمْ كَوْنُ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ مَرْضَى بِمَرَضٍ وَاحِدٍ فِي جَمِيعِ الْفُصُولِ وَإِنْ يُدَاوَى بِدَوَاءٍ وَاحِدٍ بِكَيْفِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مِمَّا تَشْهَدُ بِكَذِبِهِ الْعَجْمَاءُ وَتَكَادُ تَنْطِقُ بِكَذِبِهِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالُوا فَمَا بَالُ عِلَلِ الْأُمَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ وَالْمُلُوكِ وَنَحْوِهِمْ مَعَ رَاحَةِ أَبْدَانِهِمْ وَطِيبِ مَآكِلِهِمْ وَمَشَارِبِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ عِلَلِ غَيْرِهِمْ وَمَا بَالُهَا انْحَصَرَتْ فِي نَوْعٍ وَاحِدٍ مَعَ تَنَوُّعِ أَغْذِيَتِهِمْ وَاقْتِصَارِ غَالِبِهِمْ عَلَى الْخُبْزِ وَالْمِلْحِ بَلْ أَغْلَبُ مَنْ يَقْتَاتُ هَذَا لَا عِلَّةَ بِهِ حَاصِلَةٌ وَلَا مُتَوَقَّعَةٌ