الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فقد وصلت الورقة التي فيها. رسالة الشيخين الناسكين القدوتين، أيدهما الله وسائر الإخوان بروح منه، وكتب في قلوبهم الإيمان وأدخلهم مدخل صدق، وأخرجهم مخرج صدق، وجعلهم ممن ينصر به السلطان، سلطان العلم والحجة بالبيان والبرهان، وسلطان القدرة والنصرة باللسان والأعوان، وجعلهم من أوليائه المتقين، وحزبه الغالبين لمن ناوأهم من الأقران، ومن الأئمة المتقين الذين جمعوا بين الصبر والإيقان، والله محقق ذلك، ومنجز وعده في السر والإعلان، ومنتقم من حزب الشيطان لعباد الرحمن، لكن بما اقتضته حكمته ومضت به سنته، من الابتلاء والامتحان، الذي يميز الله به أهل الصدق والإيمان من النفاق والبهتان، إذ قد دل كتابه على أنه لا بد من الفتنة لكن من ادعى الإيمان، والعقوبة لذوي السيئات والطغيان، فقال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 1 – 4].

فأنكر سبحانه على من ظن أن أهل السيئات يفوتون الطالب الغالب، وأن مدعي الإيمان يتركون بلا فتنة تميِّز بين الصادق والكاذب، وأخبر في كتابه أن الصدق في الإيمان لا يكون إلا بالجهاد في سبيله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015