فتأمل رحمك الله أحاديث الغربة وبعضها في الصحيح مع كثرتها وشهرتها، وتأمل إجماع العلماء كلهم أن هذا قد وقع من زمن طويل حتى قال ابن القيم - رحمه الله - الإسلام في زماننا أغرب منه في أول ظهوره، فتأمل هذا تأملاً جيدًَا لعلك أن تسلم من هذه الهُوَّة الكبيرة، التي هلك فيها أكثر الناس، وهي الاقتداء بالكثرة والسواد الأكبر، والنفرة من الأقل، فما أقل من سلم منها، ما أقله ما أقله (42/ش)!!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(42/ش) ألا ما أشد غربة أهل التوحيد والسُّنَّة اليوم. فالمؤمنون الموحدون الذين استقاموا على السنة غرباء ما أشد غربتهم، غرباء في ديارهم، غرباء في عشائرهم، غرباء بين أبنائهم وآبائهم وإخوانهم ...
وكلما ازدادت الفتن والبلايا، وكلما كثر تلبيس علماء السوء ازدادت غربتهم، وعظمت محنتهم. شردوا من أوطانهم، وحيل بينهم وبين أهليهم ومساكنهم، وتربص بهم أعداء الله في كل مكان حلّوا فيه، حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، إلا أن قلوبهم قد اتسعت بقدر ما حلّ فيها من الإيمان بالله، والجهاد في سبيله.
في كل لحظة من أعمارهم يدفعون ثمن غربتهم باهظًا، رماهم المخالفون بأقبح الألفاظ، وكانوا لهم أشنع التهم، واستحلوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم ... وما نقموا منهم إلا أنهم ثبتوا على الدين الصحيح، ولم يبدلوا ولم يميعوا ولم يداهنوا، بل وداروا مع القرآن حيث دار، في وقت يدور الناس فيه مع السلطان والطواغيت وفتن الدنيا وحظوظ النفس ... حيث دارت.