................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
وظاهر كلام أحمد: أنه في الصورة الأولى، لا يكون مكرهًا حتى يعذبه المشركون، فإنه لما دخل عليه يحيى بن معين وهو مريض، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، فما زال يعتذر ويقول حديث عمار، وقال الله: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: لا يقبل عذرًا، فلما خرج يحيى، قال أحمد: يحتج بحديث عمار، وحديث عمار مررت بهم وهم يسبونك، فنهيتهم فضربوني، وأنتم: قيل لكم نريد أن نضربكم؛ فقال يحيى: والله ما رأيت تحت أديم السماء أفقه في دين الله منك.
ثم أخبر تعالى: أن هؤلاء المرتدين الشارحين صدورهم بالكفر، وإن كانوا يقطعون على الحق، ويقولون: ما فعلنا هذا إلا خوفًا، فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم.
ثم أخبر تعالى: أن سبب هذا الكفر والعذاب، ليس بسبب الاعتقاد للشرك، أو الجهل بالتوحيد، أو البغض للدين، أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظًا من حظوظ الدنيا فآثره على الآخرة؛ وعلى رضا رب العالمين، فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} فكفرهم تعالى، وأخبر أنه لا يهديهم مع كونهم يعتذرون بمحبة الدنيا، ثم أخبر تعالى: أن هؤلاء المرتدين لأجل استحباب الدنيا على الآخرة، هم الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، وأنهم الغافلون؛ ثم أخبر خبرًا مؤكدًا محققًا: أنهم في الآخرة هم الخاسرون.