ولم يعلموا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك -فلم يكن جهلهم بذلك كفرًا، ثم أنزل الله عليهم الفرائض، فكان إقرارهم بها والقيام بها إيمانًا، وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله، ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرًا، وبعد مجيء الخبر، من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرًا، والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر» (?).
انظر لهذا النقل فالجهل بالله كفر قبل الخبر وبعد الخبر، والمقصود الجهل بتوحيده، والدليل على ذلك: قوله أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقروا بالله أول ما بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - إليهم.
ومن المعلوم بيقين أن الإقرار هنا: هو الإقرار بتوحيد الإلهية لا بتوحيد الربوبية فقط، الذي لا يفرق بين الموحدين والمشركين.
إذًا فالجهل بالله كفر قبل الخبر وبعد الخبر، لكن قبل الخبر ينقص النعمة ولا يزيد، ومحرم على أصحابه دخول الجنة، وإن ماتوا على ذلك لا يصلى عليهم، ولا يستغفر لهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين لأنهم مشركون وليسوا بمسلمين، إلا أنهم لا يعذبون في الدارين إلا بعد إقامة الحجة الرسالية، وهذا هو الكفر بعد الخبر، وهو الكفر المعذب عليه، وكما أنهم لا يعذبون فهم أيضًا لا ينعمون.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «فلا ينجون من عذاب الله إلا من أخلص