تارة، وإلى السحر تارة أخرى، ورموه بأشياء هو بريء منها جميعًا.

وبقي رحمه الله يدعو إلى سبيل ربه بالحجة الواضحة وبالموعظة الحسنة، فلم يبادر أحدًا بالتكفير، ولم يبدأ أحدًا بالعدوان، بل توقف عن كل ذلك ورعًا منه، وأملاً في أن يهدي الله الضالين؛ إلى أن نهضوا عليه جميعهم بالعدوان، وصاحوا في جميع البلاد بتكفيره هو وجماعته وأباحوا دماءهم، ولم يثبتوا دعواهم الباطلة بحجة من كتاب الله أو سنة رسوله، ولم يكترثوا بما ارتكبوا بحقه من الزور والبهتان، وما اتبعوه من وسائل لإجلائه وجماعته من البلاد ومطاردتهم بالتعذيب والاضطهاد. أجل لم يأمر -رحمه الله- بسفك دم ولا قتال على أكثر أهل الضلالة والأهواء حتى بدأوه بالحكم عليه وأصحابه بالقتل والتكفير فأمر الشيخ حينئذ جماعته بالجهاد، وحض أتباعه عليه، فامتثلوا لأمره.

وكان دائمًا يتضرع إلى الله الذي خصه بهذا الفضل أن يشرح للحق صدور قومه، وأن يكفيه بحوله وقوته شرورهم، ويصرف عنه أذاهم. وكان يسير معهم دائمًا بسيرة الصفح، ويشملهم بالعفو، ولم يكن أحب إليه من أن يأتيه أحدهم بالمعذرة فيبادر بالمغفرة؛ ولم يعامل أحدًا بالإساءة بعد أن غلب وظهر، ولو مكنهم الله تعالى منه لقطعوا أوصاله، وأوقعوا به أقبح المثلة والنكال، ولقد كان -رحمه الله- يعلم ذلك، ولكنه لم ينتصر لنفسه بعد التمكن والظهور حين جاءوا وافدين عليه منقادين قسرًا أو طوعًا إليه، بل أخذته الرحمة بهم، فأعرض عما أتوه بحقه، وكأنه لم يصدر عليه منهم شيء، وأبدى لهم البشاشة والملاطفة، ومنحهم بره ومعروفه وإكرامه؛ وهذا الشأو لا يدركه إلا البررة الكرام، والعلماء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015