محراب الرسول صلي الله عليه وسلم بالمدينة نازل منزلة الكعبة لانه لا يقر على الخطأ فهو صواب قطعا وإذا كان كذلك فمن يعاينه يستقبله ويسوى محرابه عليه اما بناء على العيان أو استدلالا كما ذكرنا في الكعبة ولا يجوز العدول عنه إلى جهة أخرى بالاجتهاد بحال وفى معني المدينة سائر البقاع التى صلي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضبط المحراب وكذلك المحاريب المنصوبة في بلاد المسلمين وفى الطرق التى هي جادتهم يتعين التوجه إليها ولا يجوز الاجتهاد معها وكذلك في القرية الصغيرة ان نشأ فيها قرون من المسلمين ولا اعتماد علي العلامة المنصوبة في الطريق الذى يندر مرور الناس بها أو يستوى فيه مرور المسلمين والكفار وفى القرية الخربة التى لا يدري انها من بناء المسلمين أو الكفار ولابد من الاجتهاد في هذه المواضع وإذا منعنا من الاجتهاد في الجهة فهل يجوز الاجتهاد في التيامن والتياسر اما في محراب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ولو تخيل عارف بادلة القبلة أن الصواب فيه أن يتيامن أو يتياسر فليس له ذلك وخياله باطل وأما في سائر البلاد فعلي وجهين اصحهما ولم يذكر الاكثرون سواه أنه يجوز لان الخطأ في الجهة مع استمرار الخلق واتفقاهم ممتنع لكن الخطأ في الانحراف يمنة ويسرة مما لا يبعد ويقال أن عبد الله بن المبارك كان يقول بعد رجوعه من الحج تياسروا يا اهل مرو والثانى أنه لا يجوز لان احتمال اصابة الخلق الكثير أقرب وأظهر من احتمال اصابة الواحد وهذا يستوى فيه الجهة والانحراف يمنة ويسرة وفصل القاضى الروياني وغيره بين البلاة بعد المدينة فجعلوا قبلة الكوفة صوابا يقينا كقبلة المدينة لانه صلي إليها الصحابة ولم يجعلوا قبلة البصرة يقينا وقضية هذا الكلام جواز الاجتهاد في التيامن والتياسر في قبلة البصرة دون الكوفة وفيما علق عن ابن يونس القزويني مثل هذا الفرق فانه قال قبله الكوفة قد صلي إليها على كرم الله وجهه مع عامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ولا اجتهاد مع اجماع الصحابة رضي الله عنهم قال واختلف أصحابنا في قبلة البصرة فمنهم من قال هي صواب أيضا كقبلة الكوفة ومنهم من جوز فيها الاجتهاد وفرق بان قبلة الكوفة نصبها علي رضى الله عنه وقبلة البصرة نصبها عتبة بن غروان والصواب في فعل علي رضى الله عنه أقرب ثم حكى في قبلة سائر البلاد وجهين وجعل أصحهما جواز الاجتهاد فيها وهذا أن عنى به الاجتهاد في الجهة من اصلها
فهو بعيد بمرة بل الذى قطع به معظم الاصحاب منع ذلك في جميع البلاد في المحاريب المتفق عليها بين أهلها وان عنى به الاجتهاد في التيامن والتياسر فالفرق بين الكوفة والبصرة كما نقله الروياني