وأولُ من نصبَ حدودَ الحرمِ إبراهيمُ -عليه السّلام-، ثمّ جدَّدها قصيٌّ، ثمّ جَدَّدَها رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الفتحِ، ثمّ جَدَّدَها عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه، ثمّ جَدَّدَها معاويةُ رضي الله عنه.
وتقدم ذكرُ حدودِ الأرضِ المقدسةِ في سورةِ المائدة، ويأتي ذكرُ حدودِ حرمِ المدينةِ في سورةِ الأحزابِ إن شاء الله تعالى.
فإن قدمَ رسولٌ من الكفارِ إلى الحرم، لا بدَّ له من لقاءِ الإمامِ، خرجَ إليه إلى الحلِّ، ولم يأذنْ له، فإنْ دخلَ عالمًا بالمنع، عُزِّر، فإن مرضَ بالحرم، أو ماتَ، أُخرجَ، وإن دُفِنَ نُبِشَ وأُخرجَ، فليس لهم الاستيطانُ ولا الاجتيازُ به، وبهذا قالَ مالكٌ والشّافعيُّ وأحمدُ، وقال أبو حنيفة: لهم دخولُ الحرمِ كالحجازِ كُلِّه، ولا يستوطنونه، والمنعُ من الاستيطانِ لا يمنعُ الدخولَ والتصرُّف كالحجازِ.
واتفقوا على أن الكفارَ يُمنعون من استيطانِ الحجازِ كلِّهِ كالمدينةِ ومكةَ واليمامةَ وخَيبر والينبع وقُراها، قالَ مالكٌ والشّافعيُّ وأحمدُ: فإن دخلوا للتجارة، لم يقيموا في موضعٍ أكثرَ من ثلاثةِ أيّام، وعند الشّافعيّ وأحمدَ: لا يدخلون إِلَّا بإذنِ الإمامِ، وسُمِّى الحجازُ حجازًا؛ لأنّه حجز بينَ تهامَة ونجدٍ، وتقدَّم اختلافُهم في دخولِ أهلِ الذمَّة إلى المسجدِ الحرامِ وغيره من مساجدِ الحِلِّ في سورةِ البقرةِ عندَ تفسيرِ قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: 114].
{بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} هو عامُ تسعةٍ من الهجرة الّذي حجَّ فيه أبو بكرٍ بالناس، وفيه أَذَّنَ عليٌّ ببراءةَ.
ولما مُنِعَ المشركون من دخولِ الحرم، خاف المسلمون الفقراءُ لانقطاعِ