قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - واصفاً فتنة التقليد التي أصابت العالم الإسلامي: (تالله إنها فتنة عَمَّت فأعْمَتْ، وَرَمت القلوبَ فأَصَمَّت، ربا عليها الصغير، وهرم فيها الكبير، واتُّخِذَ القرآنُ لأجلها مهجوراً، وكان ذلك بقضاء الله وقدره في الكتاب مسطوراً، ولما عَمّت بها البلية، وعَظُمَت بسببها الرزية، بحيث لا يعرف الناس سواها، ولا يعدون العلم إلا إياها، فطالب الحق من مظانه لديهم مفتون، ومُؤْثِره على ما سواه عندهم مغبون، نصبوا لمن خالفهم في طريقتهم الحبائل، وبغوا له الغوائل، ورموه عن قوس الجهل والبغي والعناد) (?).
(والذي زاد الطين بلة جمود المتفقه المفتين والمعلمين والواعظين على نصوص كتب متبوعيهم المتأخرين بدون تبصر وإعمال روية ورجوع إلى أصول الشريعة وأقوال السلف، وجهلهم بمقتضى الزمان والعمران، ونفورهم من كل جديد بدون أن يزنوه بميزان الشريعة، ومناوأتهم المجددين بدون إصغاء إلى براهينهم، ومكافحتهم العلوم العقلية والكونية، وتحذير الناس من دراستها، وتحجرهم على غيرهم الاستهداء من الكتاب والسنة لزعمهم أن ذلك كله مخالف للدين، لجهلهم بحقيقة الدين، لأن هذه الشريعة الغراء السمحة تسير مع العلم جنباً إلى جنب، واسعة تسع قواعدها العامة كل جديد من مقتضيات الزمان والعمران، لأنها محض رحمة وسعادة.
وأغرب من هذا أن هؤلاء الجامدين من أُسَرَاء التقليد لا يتأثمون من مداهنة الحكام والتجسس لهم، وغشيان ولائمهم التي يتخللها من المنكرات ما تقطع