وليس العجب من فعل أبي الدحداح، ولكن العجب كل العجب من سرعة استجابة أم الدحداح ودعائها بالربح والقبول.
ولو أن رجلاً فعل قريباً من هذا في زماننا لرفعت عليه زوجته دعوى قضائية مطالبة بالحجر على زوجها بالسفه والجنون، ولانتشر خبره في الجرائد، وفضحته زوجته على رؤوس الأشهاد - إلا مَنْ رحم الله -.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: لما نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2) سورة الحجرات.
كان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا من أهل النار حبط عملي وجلس في أهله حزيناً.
ففقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: تفقدك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك؟ قال أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي وأجهر له بالقول حبط عملي أنا من أهل النار.
فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه بما قال فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا، بل هو من أهل الجنة ".
قال أنس - رضي الله عنه - فكنا نراه يمش بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة. فلما كان يوم اليمامة كان فينا بعض الانكشاف، فجاء ثابت بن قيس بن شماس وقد تحنط ولبس كفنه، فقال: بئسما تعودون أقرانكم، فقاتلهم حتى قُتِلَ - رضي الله عنه -. (?)