والحق والأصلح لك: أن تمكث حيث اقامك الله فيه وارتضاه لك، وترك التدبير لنفسك والاختيار؛ فإنهما يكدران المعيشة.
وقال أبو الحسن الشاذلي: إن كان ولابد من التدبير .. فدبر ألا تدبر حتى يكون الحق سبحانه وتعالى هو الذي نقلك، وتولى إخراجك مما أنت فيه، ومسألة ترك التدبير أساس طريق الصوفية، والكلام فيها طويل وقد أفرد بالتصنيف.
[التحذير من كيد الشيطان لأهل التجريد والكسب]
وقصد العدو اللعين منك: أن يأتيك فيما أنت فيه فيحقره عندك فيتشوش قلبك، ويتكدر وقتك، وذلك أنه يأتي للمتسببين فيقول لهم، لو تركتم الأسباب وتجردتم .. لأشرقت لكم الأنوار، ولصفت منكم القلوب والأسرار، وكذلك صنع فلان وفلان، ويكون هذا العبد ليس مقصوداً للتجريد ولا طاقة له به، إنما صلاحه في الأسباب فيتركها، فيتزلزل إيمانه ويذهب إيقانه، ويتوجه إلى الطلب من الخلق، وإلى الاهتمام بالرزق، وكذلك يأتي للمتجردين ويقول لهم: إلى متى تتركون الأسباب؟ ! ألم تعلموا أن ذلك يطمع القلوب لما في أيدي الناس، ولا يمكنك الإيثار، ولا القيام بالحقوق، وعرض ما تكون منتظراً ما يفتح به عليك من غيرك، فلو دخلت في الأسباب. .بقي غيرك منتظراً ما يفتح عليه منك، ويكون هذا العبد قد طاب وقته، وانبسط نوره، ووجد الراحة بالانقطاع عن الخلق، ولا يزال به حتى يعود إلى الأسباب فتصيبه كدرتها، وتغشاه ظلمتها، ويعود الدائم في سببه أحسن حالاً منه.
وإنما يقصد الشيطان بذلك أن يمنع العباد من الرضا عن الله تعالى فيما هم فيه، وأن يخرجهم عما اختار الله لهم إلى مختارهم لأنفسهم، وما أدخلك الله تعالى فيه .. تولى إعانتك عليه، وما دخلت فيه بنفسك .. وكلك الله إليه: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً} فالمدخل الصدق: أن تدخل فيه لا بنفسك، والمخرج الصدق: أن تخرج منه لا بنفسك.
قوله: (أو لتماهن) وهو الاحتقار والصغار والعجز؛ أي: ومن مكائد العدو وتلبيسه أن يحث المقبل على الله تعالى بالطاعة على ترك جانب الله تعالى، وترك الاجتهاد في العبادة؛ موهماً بتلبيسه أن هذا مقام التوكل على الله، وفتح باب الرجاء، وحسن الظن بربه، وإنما هو عجز ومهانة، وميل إلى الكسل، وطلب الراحة.
ومن وفقه الله تعالى .. يلهمه البحث عن هذين الأمرين؛ اللذين يأتي بهما الشيطان في