وخرج بما ذكر: إجراء القرآن على قلبه ولو بنظره في المصحف، وتحريك لسانه وهمسه بحيث لا يسمع نفسه، وقراءة ما نسخت تلاوته، فلا تحرم؛ لأنها ليست بقراءة قرآن، بخلاف إشارة الأخرس، وتقدم أن فاقد الطهورين يقرأ (الفاتحة) فقط في الصلاة.
ثانيهما: لبث المسلم في المسجد ولو كان متردداً فيه؛ لقوله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} الآية، قال ابن عباس وغيره: أي: مواضعها؛ لأنه ليس فيها عبور سبيل، بل في موضعها وهو المسجد، ونظيره قوله تعالى: {لهُدِّمت صوامع وبيعٌ وصلوات}، ولخبر: "إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب" رواه أبو داود وغيره، وحسنه ابن القطان.
وخرج بـ (اللبث): العبور؛ فإنه جائز؛ للآية، ولأنه لا قربة فيه، وفي اللبث قربة الاعتكاف ومع جوازه لا كراهة فيه، لكن الأولى ألا يعبر إلا لحاجة، قاله في "المجموع"، ثم نقل كراهته بلا حاجة عن المتولي والرافعي، وبها جزم في "الروضة" تبعاً لهما، قيل: وهو الموافق لما نقله في "المجموع" عن النص من كراهة عبور الحائض المسجد. انتهى، والفرق بينهما واضح.
وخرج بـ (المسجد) غيره؛ كمصلى العيد والمدرسة والرباط، فلا يحرم لبثه فيها.
ومحل تحريم اللبث: عند عدم الضرورة، أما عندها .. فلا يحرم؛ كما لو احتلم فيه ولم يمكنه الخروج لخوف أو غلق باب أو نحوه، ويجب التيمم إن وجد غير تراب المسجد؛ كما ذكره جمع منهم القفال والروياني والنووي في "الروضة" أخذاً من قول "أصلها": (وليتيمم) بلام الأمر، ولا ينافيه قوله في "الشرح الصغير": ويحسن أن يتيمم؛ لأن الواجب حسن، على أنه قيل: إن قوله: (يحسن) مصحّف عن (يجب)، أما تراب المسجد وهو الداخل في وقفه لا المجتمع من ريح ونحوه .. فلا يتيمم به؛ كما لو لم يجد إلا تراباً مملوكاً لغيره، ذكره في "المجموع".