(من) يفهم أنهم مع كثرتهم إلى حد لا يحصيه إلا الله لا يملأون حوله، وهذا أولى من قول البيضاوي: إن (من) مزيدة، وبه قال الأخفش: أو للابتداء أي ابتداء حفوفهم من حول العرش إلى حيث شاء الله.
والمعنى أن الرائي يراهم بهذه الصفة في ذلك اليوم، والحافين جمع حاف قاله الأخفش، وهو المحدق بالشيء من حففت بالشيء إذا أحطت به، وهو مأخوذ من الحفاف وهو الجانب، وقال الفراء وتبعه الزمخشري لا واحد له من لفظه إذ لا يقع لهم هذا الاسم إلا مجتمعين.
(يسبحون بحمد ربهم) أي حال كونهم مسبحين لله متلبسين بحمده أي يقولون سبحان الله وبحمده وقيل معنى يسبحون يصلون حول العرش شكراً لربهم، وهذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد، لأن التكليف يزول في ذلك اليوم وذلك يشعر بأن ثوابهم هو عين ذلك التسبيح، وأفهم أن منتهى درجات العليين ولذاتهم الاستغراق في صفاته تعالى، اللهم أرزقنا.
(وقضي بينهم) أي بين جميع العباد والخلائق (بالحق) أي بالعدل بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار، وقيل بين النبيين الذين جيء بهم مع الشهداء، وبين أممهم، وقيل بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب درجاتهم والأول أولى.
(وقيل الحمد لله رب العالمين) القائلون هم المؤمنون، حمدوا الله على قضائه بينهم وبين أهل النار بالحق كما قال: (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)، وقيل القائلون هم الملائكة حمدوا الله تعالى على عدله في الحكم وقضائه بين عباده بالحق، وبدأ سبحانه هذه الآية بالحمد، وختمها بالحمد، للتنبيه على تحميده في بداية كل أمر ونهايته، والحمد الأول على صدق الوعد وإيراث الجنة، وهذا على القضاء بالحق، فلا تكرار فيه، وروي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على المنبر آخر الزمر فتحرك المنبر مرتين.