وبالجملة، فهذا الحق قد خالف أهواءهم من جهات متعددة:
الأولى: أنهم لا يعرفونه، مع كونهم يظنون أنهم من العلماء.
الثانية: أنه خالف عادة 1 نشؤوا عليها؛ ومخالفة العادات شديدة.
الثالثة: أنه مخالف لعلمهم الذي بأيديهم، وقد أُشربوا 2 حبه، كما أُشربت بنو إسرائيل حب العجل.
الرابعة: أن هذا الدين يريد أن يحول بينهم وبين مآكلهم الباطلة المحرمة الملعونة، إلى غير ذلك من الأمور التي يبتلي الله بها العباد.
فلما ظهر هذا الأمر اجتهدوا في عداوته وإطفائه بما أمكنهم، وجاهدوا في ذلك بأيديهم وألسنتهم، فلما غلظ الأمر وبهرهم 3 نور النبوة ولم يجئْ على عاداتهم الفاسدة، فتفرقوا فيه كما تفرّق إخوانهم الأولون: فبعضهم قال: مذهب ابن تيمية، كما لمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن أبي كبشة. وبعضهم قال: كتب باطلة، كقولهم: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} 4. وبعضهم قال: هذا يريد الرياسة، كما قالوا: {أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأَرْضِ} 5. وتارة يرمون المؤمنين بالمعاصي، كما قالوا لنوح فأجابهم