فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا السؤال سؤال مهم لطالب العلم، وذلك أن العلم عبادة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها،حتى جعله الله تعالى عديلاً للجهاد في سبيله،حيث قال تبارك وتعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) . فأخبر سبحانه وتعالى أنه لا يمكن للمؤمنين أن ينفروا في الجهاد في سبيل الله كلهم، ولكن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقه القاعدون في دين الله، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون،والآخرون يقاتلون في سبيل الله. وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) . فإذا رأى الإنسان أن الله تعالى قد فقهه في دينه فليبشر أن الله تعالى أراد به خيراً، ويجب إخلاص النية لله في طلب العلم، بأن ينوي الإنسان في طلبه للعلم أولاً: امتثال أمر الله تبارك وتعالى؛ لأن الله تعالى قال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِله إِلاَّ اللَّهُ) . قال البخاري رحمه الله: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.
ثانياً: أن ينوي بتعلمه حفظ شريعة الله،فإن الشريعة تحفظ في الصدور، وتحفظ في الكتاب المسطور.
ثالثاً: أن ينوي بتعلمه حماية شريعة الله من أعدائها؛ لأن أعداءها مسلطون عليها منذ بعث الرسول عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، فلينوِ بطلب العلم حماية هذه الشريعة العظيمة.
رابعاً: أن ينوي بذلك المدافعة عن الشريعة إذا هاجمها أحد، وحينئذ يجب أن يتعلم من العلم السلاح الذي يدافع به، بل ينبغي أن نقول الذي يهاجم به أعداء الله، ويعامل كل أحد بالسلاح الذي يناسب حاله، والناس يختلفون في هذا الشيء: فمن الناس من يحاج في العقيدة،فيحتاج الإنسان إلى تعلم العقيدة التي يدافع بها العقائد الفاسدة ومن الناس من يهاجم الإسلام بالأخلاق السافلة، فيجب على الإنسان أن يتعلم الأخلاق الفاضلة، وأن يتعلم مساوئ الأخلاق السافلة وآثارها السيئة، وهلم جرًّا. كذلك أيضاً ينوي طالب العلم بطلبه العلم أن يقيم عبادة الله على ما يرضي الله عز وجل؛ لأن الإنسان بدون التعلم لا يمكن أن يعرف كيف يعبد الله، لا في وضوئه ولا صلاته ولا صدقته ولا صيامه ولا حجه. وأيضاً يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بعلمه، فيبين الشريعة للناس ويدعوهم إلى التمسك بها. فالعلم في الحقيقة من أفضل العبادات وأجلها وأعظمها نفعاً، ولهذا تجد الشيطان حريصاً على أن يصد الإنسان عن العلم، فيأتيه مرة بأنه إذا طلب العلم يكون مرائياً لأجل أن يراه الناس ويقولوا: إنه عالم، فيستحسر ويقول: مالي وللرياء؟ أو يقول له: انوِ بطلبك العلم الشرعي شيئاً من الدنيا حتى يحق عليك الوعيد: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله،لا يريد إلا أن ينال عرضاً من الدنيا،لم يرح رائحة الجنة) . ويأتيه بالأشياء الكثيرة التي تصده عن العلم. ولكن على المرء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يمضي لسبيله، ولا يهتم بهذه الوساوس التي تعتري قلبه، وكلما ما أحس بما يثبطه عن العلم بأي وسيلة فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،وليقل: اللهم أعني، وما أشبه ذلك. وأقول لهذا الطالب: امض لسبيلك، اطلب العلم، لا يصدنك الشيطان عن ذكر الله ولا عن طلب العلم، واستمر وأنت سوف تلاقي صعوبة ومشقة في تصحيح النية ولكن تصحيح النية، أمر سهل فامض أيها الشاب في سبيلك، واستعن بالله عز وجل، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
***