فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الذي حل عليه القسط قادرا على الوفاء فلك الحق في مطالبته ورفع أمره إلى ولاة الأمور ليخرجوا حقك منه وأما إذا كان معسرا فإنه ليس لك أن تطلبه ولا أن تطالبه ولا أن ترفعه إلى ولاة الأمور لقول الله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواننا الذين يكون لهم ديون على المعسرين فيؤذون هؤلاء المعسرين بالطلب والمطالبة ويرفعونهم إلى الجهات المسئولة وهذا الدائن لا شك أنه آثم إذا طالب المعسر بوفاء الدين لأنه عاصٍ لقول الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) وأما بالنسبة للمدينين فإنني أوجه إليه نصيحة بأن يتقوا الله في أنفسهم وأن لا يستدينوا شيئا إلا عند الضرورة القصوى التي لابد لهم منها وذلك لأن الدين خطره عظيم فإنه هم في الليل وذل في النهار وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يفتح الله عليه إذا قُدِّم إليه الميت يسأل (أعليه دين لا وفاء له فإن قالوا نعم لم يصلِ عليه صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا يدل على عظم الدين وثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه (سئل عن الشهادة في سبيل الله هل تكفر الخطايا فقال نعم ثم أدبر الرجل فناداه فقال النبي عليه الصلاة والسلام إلا الدين أخبرني بذلك جبريل آنفا) فإذا كان الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدين وتكفر ما سواه من المعاصي كان ذلك دليلا على عظمه وأنه أمر يعيق الإنسان عن الوصول إلى درجات الكمال ثم أني أنصحهم مرة أخرى إذا دعت الضرورة إلى الاستدانة واستدانوا أنصحهم أن لا يماطلوا في حق الدائن ويؤخروه فإن ذلك ظلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (مطل الغني ظلم) والمطل يكون إذا حل الحق والغني هو القادر على الوفاء فإذا حل حق الدائن وكان المدين قادراً على الوفاء فإنه يجب عليه المبادرة بوفائه وإذا تأخر ساعة فهو آثم وساعتين فهو أشد إثما وثلاثة ساعات فهو أشد إثما وهكذا كلما زادت الساعات في تأخيره للوفاء أزداد بذلك إثما ثم إنه ربما يعاقب فيسلب هذا المال الذي كان به قادر على الوفاء ويندم حين لا ينفع الندم.
***