فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال في مقامين:
المقام الأول التعبير بكلمة شاء القدر فإن القدر تقدير الله تبارك وتعالى وهو من صفاته وصفات الله تعالى لا ينسب إليها شيء من صفات الربوبية كالمشيئة والتدبير وما أشبهها فلا يصح أن يقال دبر القضاء أو دبر القدر على فلان كذا وكذا لأن المدبر هو الله والذي يشاء هو الله والقدر تقدير الله فإذا كانت صفات الله تعالى لا تستحق أو لا يجوز أن تُعبد فلا يقول الإنسان سأعبد عزة الله أو سأعبد قدرة الله فإنه كذلك ليس لها شيء من الربوبية كالتدبير وما أشبه ذلك فالذي ينبغي بل الذي يجب أن يضيف الإنسان المشيئة إلى الله سبحانه وتعالى كما أضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه في كتابه كما أضافها إليه أيضاً نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله للرجل (بل ما شاء الله وحده) والآيات في هذا كثيرة معلومة.
المقام الثاني: الجواب عن هذا الحادث ونحن لا نستطيع أن نعطي حكماً محدداً على هذه الصورة المعينة إذ أنها تحتاج إلى تفصيل ومشافهة ولكننا نقول بصفة عامة إذا حصل الحادث فإما أن يكون بتفريط من قائد السيارة أو بتعدٍ منه والتفريط ترك ما يجب مثل أن يدع الإنسان تفقد السيارة في حال يُحتمل أن يكون فيها خلل فيدع تفقدها ثم يحصل الحادث من جراء هذا التفريط فيكون في ذلك ضامناً لأنه ترك ما يجب عليه أو بتعدٍ منه والتعدي فعل ما لا يجوز مثل أن يسير في خط معاكس للسير أو يقطع الإشارة أو يسرع سرعةً تُمنَع في مثل هذا المكان وما أشبه هذا المهم أن القاعدة هو أنه إذا كان الإنسان الذي حصل منه الحادث متعدياً بفعل ما لا يجوز أو مفرطاً بترك ما يجب فإنه يجب عليه لهذا الحادث شيئان إذا تلفت منه نفس الشيء:
الأول الكفارة وهي حق لله تعالى وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما يوماً واحداً إلا بعذر حسي أو شرعي.
والأمر الثاني: مما يجب عليه الدية لكن الدية تتحملها عنه عاقلته وهذه حق لأولياء المقتول وهم ورثته إن عفوا عنها سقطت أما الكفارة فإنها حقٌ لله ولابد منها حتى لو عفا أولياء المقتول عن الدية فإن الكفارة لا تسقط لأن الكفارة حق لله والدية حق للآدميين ولا يلزم من سقوط أحد الحقين سقوط الآخر كما أن هذا لو كان لا يجد الرقبة ولا يستطيع أن يصوم شهرين متتابعين فإن الكفارة تسقط عنه وإن كانت الدية تجب لأولياء المقتول مثال الشيء الذي يكون بغير تعد منه ولا تفريط مثل أن ينكسر الذراع أو أن يضرب الكفر مع تفقده له قبل أن يمشي أو يأتي إنسان يكون هو الذي قابل السيارة على وجه لا يتمكن القائد من إيقاف السيارة يعني لو جاءك أو رمى نفسه بالشارع والسيارة قد أقبلت والقائد لا يتمكن من إيقاف السيارة فإن هذا الذي رمى بنفسه هو الذي أهلك نفسه فليس على هذا السائق شيء وكذلك أيضاً لو فُرض أن الإنسان القائد قابله سيارة فرأى أن خير وسيلة ينجو بها من هذا الذي قابله أن يخرج عن الخط يميناً أو شمالاً ففعل وتصرف ثم إنه في تصرفه هذا حصل انقلاب السيارة ومات أحد معه فإنه في هذه الحالة لا يضمنه لا بدية ولا بكفارة لأنه في هذه الحال محسن وقد قال الله تعالى (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) فبهذا يتبين أنه إذا كان الحادث نتيجة لتصرف مأمور به من قبل القائد يرى أنه أحسن من عدمه فإنه ليس عليه هنا ضمان لا بكفارة ولا بدية لأن الله يقول (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ولأنه تصرف تصرفاً مأموراً به ومأذوناً له به شرعاً وقد قال أهل العلم من قواعدهم المقررة ما ترتب على المأذون فليس بمضمون وكذلك من الأشياء التي لا ضمان فيها لو كان القائد يسير فواجهه شيء في الخط بهيمة أو سيارة واقفة بدون إشارات أو ما أشبه ذلك ثم إنه لم يعلم حتى وصل إلى حد لا يتمكن به من إيقاف السيارة فانحرف ثم حصل الحادث من انحرافه الذي يرى أنه أقرب إلى النجاة فإنه في هذه الحال ليس عليه ضمان لا بدية ولا بكفارة وهذه المسائل في الحقيقة دقيقة تحتاج إلى تحقيق المناط وإلى معرفة الشيء معرفة تامة ولا ينبغي للإنسان أن يتسرع فيُلزم الناس ما لا يلزمهم من دية أو كفارة بل إنه ينبغي له أن يعلم أن الأصل السلامة والعصمة كما أن الأصل أيضاً الضمان لما تلف فهذان الأصلان متعارضان وينبغي لطالب العلم أن يسلك ما يراه أقوى من هذين الأصلىن وأن يتقي الله سبحانه وتعالى فلا يُلزم عباد الله بما لا يلزمهم ولا يسقط عن عباد الله بما يجب عليهم والله أعلم.