أحمد وداعة علي مقيم بمنطقة الباحة يقول سألت أحد العلماء عن مدى جواز تخصيص زوجتي بنصيب من تركتي فقال لي إن كنت أريد ذلك بقصد مكافأتها على خدمتها وعشرتها الطويلة فلا حرج في ذلك ولكن إذا أرت ذلك بقصد الإضرار بباقي الورثة فإن هذا لا يجوز وفي تقديري مع ضعف علمي أن المرأة نصيبها معروف حسب ما قرره الشرع وقول هذا يتعارض في نظري مع ما ورد في الكتاب والسنة فما رأيكم في ذلك وإن كان كلام العالم صحيحاً فهل يمكن أن نقيس على ذلك أنه يمكن أن أخص أحد أولادي بنصيب من التركة بين أخوته بدعوى أنه وقف معي مواقف جيدة دون أخوته وخدمني أكثر منهم؟

فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على السؤال أحب أن أحذر من أن يتكلم الإنسان بغير علم فيما شرعه الله تعالى لأن المتكلم حينما يقول معبراً عن الله ورسوله فعليه أن يحترز وأن يتحرى الصواب بقدر ما أمكن قبل أن يتكلم والجرأة على الفتيا ليست بالأمر الهين فإن الإنسان سوف يسأل وربما يساهل الإنسان في فتيا من الإفتاءات فضل بها كثير من الناس وقد قال الله تعالى في محكم كتابه (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال جل ذكره (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) وقد جعل الله تعالى في الأمر سعة بأن يقول من استفتى ولا علم عنده يقول لا أعلم فيما لا يعلمه لأن ذلك أبرأ لذمته وأعز له وأرفع له عند الله عز وجل فإن من قال فيما لا يعلم إنه لا يعلم فقد تواضع ومن تواضع لله رفعه وبهذا يثق الناس من علمه واستفتائه لأنه إذا عرفوا أنه يقول فيما لا يعلم لا أعلم وثقوا منه وعرفوا أنه لا يقدم على الفتوى إلا عن علم وما أفتى به في هذه المسألة من أنه يجوز أن توصي لزوجتك بشيء من مالك نظراً لمعاملتها الطيبة معك فإنها فتوى معارضة لما دل عليه الكتاب والسنة فإن الله تعالى فرض لزوجة من مالك بعد موتك شيئاً محدوداً (وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) وقد قال الله تعالى في آيات المواريث (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) الحد الذي حده الله للزوجة بعد موت زوجها من ماله إما الربع وإما الثمن لا زيادة على ذلك وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام إن الله أعطى كل ذي حقاً حقه فلا وصية لوارث وعلى هذا فإذا كنت تريد أن تبرّ امرأتك بشي نظراً لمعاملتها الطيبة معك فبإمكانك أن تبرها في حال صحتك فتعطيها ما تكافئها به من مالك أما بعد موتك فإن الأمر محدود مقدر من قبل الشرع لا يجوز أن يتعدى فيه الإنسان وأما بالنسبة لما ذكرت أنه يمكن أن يقاس علي الوصية لأحد من أولادك بشيء حيث كان يبرك أكثر من إخوانه فإن هذا كما عرفت من بطلان الأصل وإذا بطل الأصل بطل الفرع أي أنه إذا بطل المقيس عليه بطل المقاس على أن الأولاد يختصون بخصيصة أخرى ولو أنه إذا كان هذا الولد البار له إخوة فإنه لا يجوز أن تعطيه شيئاً زائداً على إخوانه ولو كان ذلك في حياتك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه بشير بن سعد ليشهده على عطيته لابنه النعمان بن بشير قال له عليه الصلاة والسلام (أكل ولدك نحلت مثل ذلك) قال (لا) قال (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ولم يستفصل الرسول عليه الصلاة والسلام حيث أعطى بشيرٌ ابنَه النعمانَ هل النعمان يبره أكثر من غيره لا فإذن لا يجوز للوالد أن ينحل أحداً من أولاده دون الآخرين ولو كان أبر منهم وبر هذا البار أجره على الله عز وجل والحاصل أنه لا يجوز للإنسان أن يوصي لزوجته بأكثر من ميراثها نظراً لقيامها بواجبها نحوه ولا يجوز لأحد أن يخص أحداً من أولاده بشي دون إخوته نظراً لكونه أبر منهم بل يجب عليه العدل بين أولاده والعدل هو أن يؤتي كل إنسان ما يحتاجه وليس معناه أن يسوي بينهم فإذا أعطى هذا عشرة أعطى الآخر عشرة مثلاً لا قد يحتاج هذا الإنسان حاجة تبلغ ألفاً والثاني يحتاج حاجة تبلغ مائة فإذا أعطى كل واحد منهما حاجته فقد عدل بينهما وإن كان هذا تبلغ حاجته ألفاً والثاني تبلغ مائة والمهم أنه القيام بالواجب مثل الأولاد عدل ولو كان واجب أحدهم يتطلب أكثر من الآخر.

فضيلة الشيخ: هذا في حال الحياة أما بعد الموت فكل ذلك يدخل تحت عموم (لا وصية لوارث) ؟

فأجاب رحمه الله تعالى: نعم

***

طور بواسطة نورين ميديا © 2015