فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم، وهو موضع إشكال كما ذكره الأخ الكاتب؛ لأن ما ذكره من الأحاديث التي ترتب دخول الجنة على هذه الأعمال يعارضها أحاديث كثيرة تدل على دخول النار لمن عمل أعمالاً أخرى، مع قيام صاحبها بهذه الأعمال الموجبة لدخول الجنة، فجوابنا على هذا وأمثاله من الأحاديث، بل من النصوص، سواء من القرآن أو من السنة أن يقال: إن ذكر بعض الأعمال التي تكون سبباً لدخول الجنة ما هو إلا ذكر للسبب، وكذلك ذكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الأعمال سبب لدخول النار ما هو إلا ذكر للسبب فقط، ومن المعلوم أن الأحكام لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، فهذه الأعمال المذكورة هي سبب لدخول الجنة، لكن هذا السبب قد يكون له موانع، فمثلاً: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) . هذا إذا قالها على سبيل اليقين والصدق، فإذا قالها على سبيل النفاق- وهو بعيد أن يقولها على سبيل النفاق في هذه الحال- فإنها لا تنفعه،وهكذا: (من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا ستراً له من النار) . هذا سبب من الأسباب، من أسباب وقاية النار، لكن قد يكون هناك موانع تمنع نفوذ هذا السبب، وهي الأعمال التي تكون سبباً لدخول النار، وإن هذه الموانع وتلك الأسباب تتعارضان، ويكون الحكم لأقواهما، فالقاعدة إذاً أن ما ذكر من الأعمال مرتباً عليه دخول الجنة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالنصوص الأخرى التي تفيد أن هذا لابد له من انتفاء الموانع، فلنضرب مثلاً أن رجلاً من الناس كافر ومات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم وصبر، فهل نقول: إن هذا الكافر يدخل الجنة ولا يدخل النار؟ فالجواب لا، كذلك أيضاً في آكل الربا، وكذلك في آكل مال اليتيم، وكذلك في قتل النفس وغيرها، مما وردت فيه العقوبة بالنار، هذا أيضاً مقيد بما إذا لم يوجد أسباب أو موانع قوية تمنع من نفوذ هذا الوعيد، فإذا وجدت موانع تمنع من نفوذ هذا الوعيد فإنها تمنع منه؛ لأن القاعدة كما أسلفنا هي: أن الأمور لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها.
***