فأجاب رحمه الله تعالى: نقول الحج المبرور هو الذي جمع عدة أوصاف:
الوصف الأول: أن يكون خالصاً لله عز وجل بحيث لا يريد الإنسان بحجه ثناءً من الناس أو استحقاق وصفٍ معين يوصف به الحاج أو شيئاً من الدنيا دون عمل الآخرة أو ما أشبه ذلك.
ثانياً: أن يكون متبعاً فيه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحيث يأتي بالحج كما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو أذن فيه ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول (خذوا عني مناسككم) ومن ثم يتبين ضرورة الإنسان إذا أراد الحج إلى أن يقرأ مناسك الحج حتى يحج على بصيرةٍ وبرهان وإذا كان لا يستطيع القراءة فليشترِ ما يستمع إليه من أشرطة العلماء موثوقٍ بهم وإن لم يتيسر له ذلك فليسأل علماء بلده كيف يحج ولا أظن العلماء يقصرون في بيان ذلك عند سؤالهم عنه.
ثالثاً: أن يكون من نفقاتٍ طيبة أي من كسبٍ طيب لأن الكسب الخبيث خبيث فليتحر الإنسان أن تكون نفقاته في الحج من كسبٍ طيب لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً.
رابعاً أن يتجنب فيه المآثم سواءٌ كانت هذه المآثم من خصائص الإحرام كمحظورات الإحرام أو من المآثم العامة كالغيبة والنميمة والكذب وما أشبه ذلك لقول الله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) ومن هذا أن يجتنب أذية الناس في المزاحمة عند الطواف أو السعي أو الجمرات أو غير ذلك لأن أذية الناس من الأمور المحرمة قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) فلا يجوز أن يأتي لرمي الجمرات بانفعال وغضب وشد عضلات وكأن بني آدم الذين أمامه خراف لا يهتم بهم فإن هذا مما ينافي أن يكون الحج مبرورا ومن ذلك أي مما يشترط للحج أن يكون مبروراً أن يتجنب شرب الدخان لأن شرب الدخان محرم كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة العامة وإذا كان محرماً كان الإصرار عليه كبيرةً من كبائر الذنوب ولو أن المسلمين الحجاج تجنبوا شرب الدخان في مواسم الحج لاعتادت أبدانهم على تركه ثم منَّ الله عليهم بالإقلاع عنه إقلاعاً تاماً فالحج المبرور قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم (ليس له جزاءٌ إلا الجنة) وهذا لا يقتضي أن يغفر للإنسان التبعات التي لبني آدم فالتبعات التي لبني آدم، لا بد من إيصالها إليهم فمن أخذ مالاً للناس وحج وإن حج بغير هذا المال الذي أخذه وإن أتقن حجه تماماً في الإخلاص والمتابعة فإنه لا يغفر له الذنب حتى يرد الحق إلى أهله وإذا كانت الشهادة في سبيل الله وهي أفضل الأعمال (وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) إذا كانت الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدّين فالحج من باب أولى ولهذا نقول إذا كان على الإنسان دين فلا يحج حتى يقضي هذا الدين إلا إذا كان ديناً مؤجلاً وهو واثقٌ من قضائه إذا حل الأجل فهنا لا بأس أن يحج أما إذا كان الدين حالاً غير مؤجل أو كان مؤجلاً لكنه لا يثق من نفسه أن يوفيه عند أجله فلا يحج وليجعل المال الذي يريد الحج به وفاءً للدين وبهذا نعلم أن الحج المبرور لا يسقط حقوق الآدميين بل لا بد من إيصالها إليهم إما بوفاء أو إبراء.
***