فأجاب رحمه الله تعالى: التبرع لجهات البر العامة كبناء المساجد والمدارس والمعاهد وإصلاح الطرق والأربطة لطلبة العلم وما أشبه ذلك ليس داخلاً في قسم الزكاة، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى فرض الزكاة لأصناف ثمانية معينة وحصر هذه الفريضة فيها فقال عز وجل (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فتأمل قوله (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ) فإن هذه الجملة تفيد الحصر. والحصر كما قال أهل العلم إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه، وعلى هذا فالزكاة محصورة في هذه الأصناف الثمانية منتفية عمن سواها، ثم تأمل قوله (فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ) حيث جعل الله تعالى هذه المصارف فريضة يجب أن تكون الزكاة فيها لا فيما سواها، ثم تأمل قوله (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يتبين لك أن هذا الفرض صادر عن علم وحكمة من أعلم العالمين وأحكم الحاكمين عز وجل وبهذا نعرف أنه لا يحوز أن تصرف الزكاة في غير هذه المصارف الثمانية فإن قال قائل (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ألا يشمل كل ما يتقرب به إلى الله؟ الجواب لا لأننا لو جعلناه شاملاً لكل ما يتقرب به إلى الله لم يكن للحصر فائدة، وكل ما في القرآن لابد أن يكون مشتملاً على فائدة لأن الله سبحانه وتعالى لن يقول القول اللغو الباطل، وهو سبحانه وتعالى أنزل هذا القرآن بلسان عربي مبين، واللغة العربية تقتضي أن مثل هذا الأسلوب حاصر لا يتعدى الحكم فيه إلى غير ما جرى فيه هذا الأسلوب، وعلى هذا فإن في الآية ما يدل على منع القول بأن قوله (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) عام بجميع المصالح من بناء المساجد والمدارس والربط وغيرها، ثم إننا نقول لو جعلنا هذه المصارف الخيرية التي لم تذكر في الآية الكريمة مصرفاً للزكاة لانقطع الناس عن عمل البر الذي يتطوعون به إلى الله لأن النفوس مدفوعة على الشح، فإذا فتح لها باب صرف الزكاة إلى هذه الجهات صارت لا تتبرع، لهذه الجهات إلا بما هو واجب.
***