فأجاب رحمه الله تعالى: بناء المساجد من أفضل ما تبذل فيه الأموال لأن المساجد بيوت الله عز وجل أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه هذا محل عبادته وإقامة الصلاة وتعليم العلم ولهذا ثبت في الحديث الصحيح حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن (منْ بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة) وإنفاق الأموال فيها من أفضل الأعمال وأجرها دائم مستمر ليلاً ونهاراً ما دام المسلمون ينتفعون بها وهي أفضل من كثير من الوصايا التي يوصي أهلها بها في أضاحي ونحوها لأن نفع الأضاحي إنما يكون في وقت مخصوص معين وهو أيضاً مقصور على أهل الميت ونفر قليل ينتفعون به بخلاف بناء المساجد فإنه أعم نفعاً وأشمل وأكثر وأبعد عما يحصل من النزاع بين القرابات بسبب هذه الوقوف التي تجعل في أضاحي وشبهها ولهذا نحن ننصح دائماً من يستشيرنا في وصاياه أن يجعلها في مساجد ونحوها مما لا علاقة له بين القرابات حتى يحصل بينهم النزاع والعداوة بسبب هذا الشيء الطفيف وإذا كانت المساجد مما يتقرب بها إلى الله فإنه كلما كانت أنفع وأوسع شمولاً كانت أفضل والقوم الذين كانوا يبنون مساجد ويشيدونها تشييداً كثيراً ينفقون عليه الأموال الطائلة وربما تكون الأحياء في غير حاجة إليها ويدعون أماكن للمسلمين في حاجة إلى هذه المساجد هم على نيتهم ولا نتكلم عنهم في نياتهم ولكننا نقول إن الأفضل ألا يبالغوا في تشييد هذه المساجد حتى يخرجوا بها إلى السرف والبطر والمباهاة لأن هذا خلاف السنة وكلما كان المسجد أقل بساطة كان أدعى للخشوع كما هو مجرب ونقول لهم أيضاً إذا كانت الأحياء في غير حاجة للمسجد فإن بناء المسجد يكون ضراراً يتفرق به المسلمون وقد ذكر أهل العلم أن المسجد إذا كان يضر بقربه أي يضر بمسجد بقربه فإنه يعتبر مسجد ضرار ويجب هدمه ونقول أيضاً كما ذكر السائل إن في بلاد المسلمين ولا سيما الفقيرة منها فيها أماكن محتاجة إلى بناء المساجد وربما يبنى بنفقة هذا المسجد عدة مساجد تنفع المسلمين وما دام الرجل يريد أن يبني المساجد في بلده ابتغاء وجه الله فإنه كلما كانت المساجد أنفع في أي بلاد من بلاد المسلمين كان بناؤها أولى وأحسن.
***