يقول السائل: في العرف العشائري إذا ركب رجل مع آخر في سيارة أو سفينة وحصل حادث وقتل الراكب فإن صاحب السيارة عليه أن يأخذ عطوة دم من أهل القتيل، ما حكم الشرع في ذلك؟ أفيدونا؟
الجواب: العطوة في العرف العشائري تعني: [تلك الفترة الزمنية التي يمنحها أهل المجني عليه للجاني وأهله أو لأهله فقط، وذلك بعد وقوع الجناية مباشرة، فيتوسط في العطوة أهل الخير " الجاهة "، ويعتمد عليها المصلحون كأول خطوة في حل مشكلات الناس منذ وقوع الجناية نظراً لتوتر النفوس وتحركها نحو الشر، وتأهب الطرفين للصد والرد والضرب والقتل". والعطوة هدنة تؤخذ بين المتخاصمين يعقدها وجهاء القوم بحيث تمنع الاعتداء من كلا الطرفين على بعضهما البعض مكفولة بوجهاء يضمنون عدم الاعتداء.] عن الإنترنت. والعطوة في العرف العشائري تؤخذ في حالات القتل غالباً، بغض النظر هل كان القتل عمداً أو خطأً، وتؤخذ أيضاً في حالات الجراحات والاغتصاب وغيرها. والعطوة في العرف العشائري على أنواع [منها (1) عطوة الدم وتسمى عطوة فورة الدم: وتكون في قضايا القتل والعرض ومدتها ثلاثة أيام وثلث وتسمى هذه الأيام المهربات المسربات. (2) عطوة الاعتراف أو الإقرار: وتعني اعتراف المتهم بالجريمة وهو مستعد بأن يعطي ما يترتب عليه من حقوق وواجبات. (3) عطوة حق وتعني عدم اعتراف المتهم بالجريمة، وفي هذه الحالة لا بد من التحكيم والتقاضي عند قاضٍ عشائريٍ، يثبت إدانته أو براءته التامة، وتسمى أيضاً عطوة تفتيش، أي العمل على التحري والتفتيش حول الشخص أو الأشخاص الذين تحوم حولهم الشبهات. (4) عطوة الإقبال وتؤخذ عادة بعد صدور الحكم القضائي وسميت بهذا الاسم لإقبال الطرفين على الصلح، حيث تتم مراسم الصلح فيها. (5) العطوة الناقصة وهي العطوة التي لا تشمل الجاني، ويكون الجاني في هذه الحالة مشمساً، أي مهدور الدم، ويكون ذلك بموافقة الطرفين المتخاصمينن وتكون هذه العطوة في حالة فرار الجاني من وجه العدالة. (6) عطوة شرف بيضاء وتكون هذه العطوة متخصصة في قضايا العرض وحرمة البيت وتقطيع الوجه، أي إن مدار بحث العطوة يركز على الحفاظ على شرف الإنسان وكرامته، على أن عرضه لم يمس وشرفه مصون، لكن يجب الانتقام من الرجل الذي حاول أن يمس هذا الشرف أمام قضاة العشائر. - والمقصود بتقطيع الوجه هو الإخلال بالالتزام يعني حينما يكفل إنسان طرفاً من الإطراف، ويخل بهذا الالتزام يعتبر أنه قطع وجه الكفيل صاحب الوجه، وهي من أصعب وأبشع الجرائم لدى البدو- (7) عطوة حوليه وهي العطوة التي تعطى لمدة حول كامل (أي سنة كاملة) وتجدد حولياً أي تلقائياً كل حول حتى يتم الصلح] . انظر التفصيل في: الموجز في القضاء العشائري ص 44-45، العرف العشائري بين الشريعة والقانون ص 76. والمقصود من العطوة الهدنة بين المتخاصمين وتهدئة الخواطر ومنع حالات الثأر والانتقام والتخريب. وهذه المعاني مما يقرها الشرع، لأن فيها حفظاً للدماء والأموال، وحفظهما من مقاصد الشارع الحكيم، فإن من مقاصد الإسلام الحفاظ على النفس البشرية، فلا يجوز قتلها أو الاعتداء عليها بأي شكل من الأشكال، فالإسلام اعتبر النفس البشرية معصومة وحافظ عليها، وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة في المحافظة على النفس، قال الله تعالى {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً} سورة الإسراء الآية 33. وقال تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} سورة النساء الآية 93. وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًاءَاخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} سورة الفرقان الآيتان 68-69. وثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين، فقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قال قول الزور أو قال شهادة الزور. قال شعبة وأكثر ظني أنه قال شهادة الزور) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم وأكل الربا والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) رواه البخاري. وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: (إن من ورطات - جمع ورطة بسكون الراء وهي الهلاك - الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله) . وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره … كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً يقول يا رب هذا قتلني حتى يدنيه من العرش) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي 3/40. وغير ذلك من النصوص التي تدل على عظمة النفس المعصومة وحرمتها. وأما حفظ المال فهو من مقاصد الشارع الحكيم أيضاً، ووردت نصوص كثيرة في المحافظة عليه، فمنها قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} سورة النساء الآية 29. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) رواه مسلم، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) رواه البخاري ومسلم. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس) رواه الحاكم وابن حبان وصححاه، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس) رواه البيهقي بإسناد صحيح وغير ذلك من النصوص. إذا تقرر هذا فإنه لا مانع شرعاً من أخذ العطوة في الحالة التي ذكرها السائل، حتى تهدأ نفوس ذوي المقتول، ويتم التحقق من دور السائق في الحادث، لأن الضمان في حوادث السيارات فيه تفصيل عند أهل العلم، فقد يكون السائق متسبباً في الحادث فيضمن، وقد يكون الحادث قد وقع بدون تسبب من السائق ولا مباشرته فلا ضمان عليه، [قال الفقهاء: إذا كان الاصطدام بسبب قاهر أو مفاجئ كهبوب الريح أو العواصف فلا ضمان على أحد، وإذا كان الاصطدام بسبب تفريط أحد رباني السفينتين أو قائدي السيارتين كان الضمان عليه وحده، ومعيار التفريط – كما يقول ابن قدامة - أن يكون الربان – وكذلك القائد - قادراً على ضبط سفينته أو سيارته أو ردِّها عن الأخرى فلم يفعل، أو أمكنه أن يعدلها إلى ناحية أخرى فلم يفعل، أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجال وغيرها.] الموسوعة الفقهية الكويتية 28/293. وقد بحث المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حوادث السيارات وما يترتب عليها، وقرر ما يلي: [الحوادث التي تنتج عن تسيير المركبات تطبق عليها أحكام الجنايات المقررة في الشريعة الإسلامية، وإن كات في الغالب من قبيل الخطأ، والسائق مسؤول عما يحدثه بالغير من أضرار، سواء في البدن أم المال إذا تحققت عناصرها من خطأ وضرر ولا يعفى من هذه المسؤولية إلا في الحالات الآتية: أ- إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان. ب– إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة. ج- إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية ... رابعاً: إذا اشترك السائق والمتضرر في إحداث الضرر كان على كل واحد منهما تبعة ما تلف من الآخر من نفس أو مال. خامساً: أ- مع مراعاة ما سيأتي من تفصيل، فإن الأصل أن المباشر ضامن ولو لم يكن متعدياً، وأما المتسبب فلا يضمن إلا إذا كان متعدياً أو مفرِطاً. ب – إذا اجتمع المباشر مع المتسبب كانت المسؤولية على المباشر دون المتسبب إلا إذا كان المتسبب متعدياً والمباشر غير متعدٍّ. ج – إذا اجتمع سببان مختلفان كل واحد منهما مؤثر في الضرر، فعلى كل واحد من المتسببين المسؤولية بحسب نسبة تأثيره في الضرر، وإذا استويا أو لم تعرف نسبة أثر كل واحد منهما فالتبعة عليهما على السواء، والله أعلم] مجلة المجمع الفقهي عدد 8، جزء2 ص 171. وقد نص قرار المجمع الفقهي على أن السائق يعفى من المسؤولية في الحالات الآتية: أ - إذا كان الحادث نتيجة لقوة قاهرة لا يستطيع دفعها وتعذر عليه الاحتراز منها، وهي كل أمر عارض خارج عن تدخل الإنسان. ب – إذا كان بسبب فعل المتضرر المؤثر تأثيراً قوياً في إحداث النتيجة. ج - إذا كان الحادث بسبب خطأ الغير أو تعديه فيتحمل ذلك الغير المسؤولية.]