يقول السائل: ما مدى صحة الحديث الوارد في فضل من صلى صلاة الفجر في جماعة في المسجد ثم جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين، كان له كأجر حجة وعمرة، فهل هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا؟
يقول السائل: ما مدى صحة الحديث الوارد في فضل من صلى صلاة الفجر في جماعة في المسجد ثم جلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتين، كان له كأجر حجة وعمرة، فهل هذا الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أفيدونا؟
الجواب: لا بد أن نعلم أن صلاة الجماعة في المساجد من سنن الهدى، وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على صلاة الجماعة في المساجد، وورد في فضلها أحاديث كثيرة منها، ما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى للبخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة) . وصلاة الجماعة من شعائر الإسلام التي ينبغي المحافظة عليها، والمقصود بصلاة الجماعة أي صلاة الجماعة في المساجد مع الأئمة الراتبين، وليس صلاة الجماعة في البيوت وأماكن العمل، مع ترك جماعة المساجد. فقد ثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (من سرَّه أن يلقى الله تعالى غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يُقام في الصف) رواه مسلم. هذا بعض ما ورد في فضل صلاة الجماعة بشكل عام، وأما صلاة الفجر جماعة في المساجد فلها فضل خاص، ومما يدل على هذه الفضيلة أن الله جل جلاله قد أقسم بوقتها فقال: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} سورة الفجرة الآيتان 1-2. وكذلك فقد قال الله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} سورة الإسراء الآية78، قال الشيخ ابن كثير: [وقوله تعالى: {وقرآن الفجر} يعني: صلاة الفجر.] تفسير ابن كثير 5/102. وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح) . يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرءوا إن شئتم {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} رواه البخاري ومسلم. وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون) رواه البخاري، وثبت في الحديث الصحيح أن صلاة الفجر في جماعة تعدل قيام ليلة في الأجر والثواب، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله) رواه البخاري ومسلم، وكذلك فإن من يصلي الفجر فإنه يكون في ذمة الله، فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فيدركه، فيكبه في نار جهنم) وذمة الله ضمان الله أو أمان الله، كما قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 2/459. وثبت في الحديث عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر المشائين في الظُلَمِ – الظلام - إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) . رواه الترمذي وابن ماجة وصححه العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث رقم 185. وعن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى البردين دخل الجنة) رواه البخاري ومسلم والمراد صلاة الفجر والعصر. وعن عمارة بن رؤيبة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يلج النارَ أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) رواه مسلم. والمراد الفجر والعصر. وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهدٌ فلان؟ قالوا لا، قال أشاهدٌ فلان؟ قالوا لا، قال: (إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله تعالى) رواه أبو داود وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود حديث رقم 518. وثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) رواه البخاري ومسلم. وغير ذلك من الأحاديث. إذا تقرر هذا فإن الحديث المشار إليه في السؤال هو ما رواه أنس رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب. ورواه الأصبهاني في الترغيب والطبراني في المعجم الكبير وحسنه العلامة الألباني في السلسة الصحيحة وفصَّل الكلام عليه، حديث رقم 3403. وقد ذكر الإمام المنذري في الترغيب والترهيب طائفة من الأحاديث التي تشهد للحديث السابق أذكرها من صحيح الترغيب للعلامة الألباني: [وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أقعد أصلي مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربعة) رواه أبو داود، وقال العلامة الألباني: حديث حسن. وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لأن أقعد أذكر الله تعالى وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إليَّ من أن أعتق رقبتين من ولد إسماعيل، ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إليَّ من أن أعتق أربع رقبات من ولد إسماعيل) رواه أحمد بإسناد حسن، وقال العلامة الألباني: حسن لغيره، وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة) رواه الطبراني وإسناده جيد، وقال العلامة الألباني حسن صحيح، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين) رواه الطبراني في الأوسط ورواته ثقات إلا الفضل بن الموفق ففيه كلام، وقال العلامة الألباني: صحيح لغيره. وعن عبد الله بن غابر أن أبا أمامة وعتبة بن عبدٍ رضي الله عنهما حدثاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تاماً له حجه وعمرته) رواه الطبراني وبعض رواته مختلف فيه وللحديث شواهد كثيرة، وقال العلامة الألباني حسن لغيره. ورواه البزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة بنحوه، وقال العلامة الألباني: حسن صحيح. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عيه وسلم إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، والطبراني ولفظه (كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس) ، وابن خزيمة في صحيحه ولفظه قال عن سماك أنه سأل جابر بن سمرة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا صلى الصبح؟ قال: كان يقعد في مصلاه إذا صلى الصبح حتى تطلع الشمس] صحيح الترغيب 1/318-320.
وخلاصة الأمر أن الحديث المشار إليه في السؤال حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان مقدار الأجر العظيم لمن صلى الفجر ثم جلس في المسجد حتى تطلع الشمس ثم يصلي ركعتي الضحى، ولا يخفى أن هذه الفضيلة لا يحوزها إلا من صلى الفجر في جماعة في المسجد، ومساجدنا اليوم تعاني مع الأسف الشديد من قلة رواد صلاة الفجر، وهذا مظهر سيء، له أسبابه الكثيرة، وإذا تغلب عليها المسلمون ورأيت الناس في صلاة الفجر كحالهم في صلاة الجمعة فأبشر بخير حينئذ.