يقول السائل: لدي سيارة أريد أن أستبدلها بسيارة أخرى أغلى ثمناً مع دفع فرق السعر بين السيارتين، هل يجوز ذلك شرعاً، وهل لذلك علاقة بالربا المحرم شرعاً، أفيدونا؟
الجواب: لا بد أن أبين أن الأصل في بيان الأصناف التي يجري فيها الربا هو حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء يداً بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) رواه مسلم. ومثله حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه البخاري ومسلم. وقد اتفق جماهير أهل العلم على أن الربا يتعدى هذه الأصناف إلى غيرها إن اتحدت معها في العلة، ولكنهم اختلفوا في علة تحريم الربا في الأصناف المذكورة في الحديث، ومع ذلك فهم متفقون على أن الأصناف الستة المذكورة في الحديث تنقسم إلى مجموعتين: المجموعة الأولى: الذهب والفضة، والمجموعة الثانية: البر والشعير والتمر والملح، والفقهاء متفقون على أن علة التحريم في المجموعة الأولى واحدة، وعلة التحريم في المجموعة الثانية واحدة، أي أن علة التحريم في الذهب والفضة هي غير علة التحريم في البر والشعير والتمر والملح، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [واتفق المعللون على أن علة الذهب والفضة واحدة، وعلة الأعيان الأربعة واحدة ثم اختلفوا في علة كل واحدٍ منهما] المغني 4/5. وقال الشيخ تقي الدين السبكي: [الأمة أجمعت على أن السنة المذكورة في الحديث جملتان متفاضلتان، النقدان والأشياء الأربعة، تنفرد كل جملة بعلتها] تكملة المجموع 10/91. وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية 22/64 ما نصه: [اتفق عامة الفقهاء على أن تحريم الربا في الأجناس المنصوص عليها إنما هو لعلة، وأن الحكم بالتحريم يتعدى إلى ما تثبت فيه هذه العلة، وأن علة الذهب والفضة واحدة، وعلة الأجناس الأربعة الأخرى واحدة] . وينبغي أن يعلم أن مسألة تحديد العلة في الأصناف الربوية محل خلاف كبير بين لعلماء، فهي مسألة اجتهادية وقد تباينت فيه أقوال العلماء: [فقال الحنفية: العلة: الجنس والقدر، وقد عرف الجنس بقوله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب، والحنطة بالحنطة) ، وعرف القدر بقوله صلى الله عليه وسلم: (مثلاً بمثل) ، ويعني بالقدر الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن لقوله صلى الله عليه وسلم: (وكذلك كل ما يكال ويوزن) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبيعوا الصاع بالصاعين) ... وقال المالكية: علة الربا في النقود- أي الذهب والفضة - مختلف فيها، فقيل: غلبة الثمنية، وقيل: مطلق الثمنية ... وعلة ربا الفضل في الطعام الاقتيات والادخار ... وعلة ربا النساء مجرد الطعم ... وذهب الشافعية إلى أن العلة في تحريم الربا في الذهب والفضة كونهما جنس الأثمان غالباً ... والعلة في تحريم الربا في الأجناس الأربعة وهي البر والشعير والتمر والملح أنها مطعومة ... وروي عن أحمد بن حنبل في علة تحريم الربا في الأجناس الستة ثلاث روايات: أشهرها أن علة الربا في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، وفي الأجناس الباقية كونها مكيلات جنس ... والرواية الثانية: أن العلة في الأثمان الثمنية، وفيما عداها كونه مطعوم جنس ... والرواية الثالثة: العلة فيما عدا الذهب والفضة كونه مطعوم جنس مكيلاً أو موزوناً] الموسوعة الفقهية الكويتية 22/64-67. وأرجح أقوال أهل العلم في هذه المسألة وهو اختيار الشيخ ابن قدامة المقدسي وشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم واختاره كثير من العلماء المعاصرين أن العلة في الذهب والفضة هي مطلق ثمنية، وفي غيرهما الطعم أي أن يكون الشيء طعاماً مع الكيل أو الوزن. إذا تقرر هذا فقد اتفق أهل العلم على أن بيع الأصناف الربوية بعضها ببعض يكون على النحو الآتي: 1. إذا بيع الشيء بجنسه كتمر بتمر، فيشترط لذلك شرطان: التماثل والتقابض، أي تماثل الوزنين أو الكيلين مع التقابض في مجلس العقد. ولا يصح في هذه الحالة اختلافهما في القدْر - الوزن أو الكيل- ولا يصح التأجيل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلًا بمثل، سواء بسواء، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى) . 2. إذا بيع الشيء بغير جنسه مع اتحاد العلة كذهب بفضة، فيشترط لذلك التقابض دون التماثل. فيصح أن يبيع مئة غرام ذهب بخمسمائة غرام فضة بشرط القبض في المجلس. 3. إذا بيع الشيء بغير جنسه مع عدم الاتحاد في العلة، كبيع القمح بالذهب، أو الملح بالفضة، فلا يشترط لذلك لا تقابض ولا تماثل. ويلحق بذلك بيع أحد الأصناف الأربعة وهي البر والشعير والتمر والملح وما يجري مجراها بالنقود الورقية المعروفة اليوم، فيصح أن تبيع القمح إلى أجل. 4. إذا كان البيع بين جنسين ليسا ربويين جاز الفضل والنسيئة أي التأجيل، كأن يبيع سيارة بسيارتين أو بعيراً ببعيرين، أو ثوباً بثوبين، أو شقة بشقتين، أو كتاباً بكتابين، أو جهاز تلفزيون باثنين ونحوها فيجوز التفاضل والتأجيل. إذا تقرر هذا فإن الربا لا يجري في بيع سيارة بسيارة مع زيادة نقود من أحد الجانبين، لأن علة الربا غير متحققة، ومن المعلوم عند الأصوليين أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وقد قرر جمهور أهل العلم أنه لا بأس أن يبيع أصناف لا يجري فيها الربا مع الزيادة كبيع بعير ببعيرين وداراً بدارين وقطعة أرض بقطعتين، فلا حرج في بيع سلعة بسلعة مماثلة مع زيادة إذا لم تكن تلك السلعة ربوية، قال الإمام البخاري في صحيحه: [باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالربذة، وقال ابن عباس: قد يكون البعير خيراً من البعيرين، واشترى رافع بن خديج بعيراً ببعيرين فأعطاه أحدهما، وقال: آتيك بالآخر غداً رَهْواً إن شاء الله- الرهو السير السهل والمراد به هنا أن يأتيه به سريعاً من غير مطل-، وقال ابن المسيب: لا ربا في الحيوان: البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إلى أجل، وقال ابن سيرين: لا بأس، بعير ببعيرين نسيئة] صحيح البخاري مع الفتح 4/529. قال ابن بطال في شرح الباب: [وأما بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً فإن العلماء اختلفوا في ذلك، فقالت طائفة: لا ربا في الحيوان، وجائز بيع بعضه ببعض نقداً ونسيئةً اختلف أو لم يختلف، هذا مذهب علي بن أبى طالب وابن عمر وابن المسيب، وهو قول الشافعي وأبي ثور، وقال مالك: لا بأس بالبعير النجيب بالبعيرين من حاشية الإبل نسيئةً، وإن كانت من نَعَمٍ واحدةٍ إذا اختلف فبان اختلافها، وإن أشبه بعضها بعضاً واتفقت أجناسها، فلا يؤخذ منها اثنان بواحد إلى أجل، ويؤخذ يداً بيد، وهو قول سليمان بن يسار وربيعة ويحيى بن سعيد، وقال الثوري والكوفيون وأحمد: لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً، اختلفت أجناسه أو لم تختلف، واحتجوا بحديث الحسن عن سمرة بن جندب (أن النبي عليه السلام نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً) ، وبحديث يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال: (نهى رسول الله عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة) ومعنى النهي عن ذلك عندهم لعدم وجود مثله؛ ولأنه غير موقوف عليه، قالوا: وهذا مذهب ابن عباس وعمار بن ياسر، وأجازوا التفاضل فيه يداً بيد، وحجة القول الأول: ... عن عمرو بن حريش قال: قلت لعبد الله عمرو: (إنه ليس بأرضنا ذهب ولا فضة، وإنما نبيع البعير بالبعيرين، والبقرة بالبقرتين، والشاة بالشاتين. فقال: (إن رسول الله أمر أن يجهز جيش، فنفدت الإبل، فأمر أن نأخذ على قلائص - جمع قلوص وهي من الإبل الشابة - الصدقة بالبعيرين إلى إبل الصدقة) ... ] شرح ابن بطال على صحيح البخاري11/367. وما قرره جمهور أهل العلم من جواز بيع بعيرٍ ببعيرين بناءً على أن الربا لا يجري في بيع حيوان بحيوان، لن علة الربا ليست متحققة، وكذلك الحال في بيع سيارة بسارة أخرى أغلى ثمناً مع دفع الفرق في السعر بين السيارتين، فهذه أيضاً ليست من الأموال الربوية، فالسيارة ليست مطعومة ولا مكيلة ولا موزونة وليست من باب الأثمان.
وخلاصة الأمر أن استبدال سيارة بسيارة أخرى أغلى ثمناً مع دفع فرق السعر بين السيارتين، جائز شرعاً ولا علاقة له بالربا المحرم شرعاً لأن السيارات ليست من الأموال الربوية، وهذا العقد يتم فيه شراء السيارة الثانية بثمنٍ مكونٍ من السيارة الأولى مضافاً إلى ذلك الفرق في السعر بين السيارتين، وهذا البيع داخل في عموم قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} فهو جائز ولا بأس به.