ومنها: قوله تعالى: (ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) (القلم:42) ، فهو صريح في أن الله يدعوهم إلى السجود في القيامة، وأن الكفار لا يستطيعونه إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
فأما الذين جزم لهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم من أهل النار، فلعله قد اطلع على ذلك كما تقدم أنه رأى عمرو بن لحي يجر قصبه في النار، أي أمعاءه؛ لأنه أول من غيَّر دين إبراهيم، وهكذا قوله في حديث ابن مسعود عند أبي داود: "الوائدة والموؤودة في النار"، وفي رواية: "إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم"، ذكره ابن كثير، وقال: إسناده حسن.
وحيث إن مشركي العرب عندهم بقية من دين إسماعيل، ولكنهم قلدوا آباءهم في الكفر وعبادة الأصنام. فلا مانع من تعذيبهم على ذلك، والحكم عليهم بأنهم من أهل النار، فإن كان منهم من لم تقم عليهم الحجة، وعاش في جهل وَبُعْدٍ عن شرع الله، ولم يتمكن من البحث عن الدين الصحيح، فله حكم أهل الفترة، وحكم أولاد المشركين، وأما من كان قادراً على البحث وقد أعطاه عقلاً وإدراكاً وعنده آثار وبقايا من دين إبراهيم وإسماعيل، وأصر على عبادة غير الله وهو يعترف بأن الله تعالى هو الرب خالق كل شيء، بما تلقاه عن آبائه وأجداده، ومع ذلك يخلص العبادة لله وحده إذا كان في لجة البحر، ويعلم أنه لا ينجي منه إلا الله تعالى، ثم يعود إلى الشرك، كما هو حال مشركي العرب، فلا مانع من أن يجزم لهم بأنهم من أهل النار إذا ورد فيهم حديث ينص على ذلك، والله يحكم بين عباده، ولا يظلم ربك أحداً، ولا يعذب إلا من يستحق العذاب، ويعترف على نفسه كما حكى الله عنهم قولهم: (وقالوا لو كُنّا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) (الملك:10) .
فهذا ما ظهر لي، ومن لديه جواب غير هذا وله وجه من النظر فله أن يقول به.