كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث من يجبي الصدقات من أهلها وبالأخص من البوادي؛ وذلك لأن أغلب أموال الناس في ذلك الزمان كانت بهيمة الأنعام، فكان يحتاج إلى من يذهب إليهم ليجمعها، فيعطي الذين يذهبون أجرتهم، أو حقاً مقابل تعبهم ومقابل عملهم، ولكنه يحثهم على الأمانة، ويحثهم على ألا يخفوا شيئاً من الصدقة وأن يعطوا من يرونه مستحقاً للزكاة من الفقراء والمساكين، فإذا أتيتم إلى البوادي: فوجدتم هذا غنياً عنده زكاة غنم وإبل، وهذا فقير ليس عنده شيء، فلكم أن تأخذوا من هذا الغني وتعطوا هذا الفقير، وما بقي عندكم تأتون به إلينا لنتولى توزيعه ونعطيكم حق تعبكم وأجرتكم. فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحثهم على ذلك.
وقد ورد في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال "هدايا العمال غلول"، ومعناه أن العامل لا يقبل هدية من أحد عن الزكاة، وكذلك لا يقبل ضيافة مخافة أنه إذا قبل ضيافة أو قبل هدية يتغاضى عن صاحبها، وإذا لم يهد له أو لم يكرمه ولم يضيفه ظلمه وزاد عليه وأخذ منه مالا يستحق، بل يكون عفيفاً ويكون بعيداً عن أن يستضيف أحداً أو يقبل من أحد هدية، فإذا أهدي إليه فلا يقبل الهدايا.
وفي قصة ابن اللتبية أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه مزكياً للأغنام والإبل فجاء وقال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام خطيباً وقال: "ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إليّ؟! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟! "، ثم أخذ يوبخهم على الغلول فقال: "والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر". وأخذ يعدد من أصناف المال، فكأنه يعرّض بأن هذا الفعل يعتبر غلولاً.