ولما أكمل العشرة أحاديثهم رجع إلى أولهم، وقال: حديثك الأول حدَّثناه فلان عن فلان عن فلان، وحديثك الثاني والثالث إلى أن تمم عشرته، وهكذا حتى أتمهم، فردّ الأسانيد إلى متونها والمتون إلى أسانيدها، فاعترفوا له بالفضل، وهذا يسمى قلب إسناد إلى متن للاختبار.
وقد يكون القلب في نفس المتن، بأن تنقلب كلمة بدل كلمةٍ على بعض الرواة، مثاله حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، وفيه: (ور جلٌ تصدّق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) انقلب على بعض الرواة فقال: حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله. وهذا انقلاب في المتن.
ومثله حديث في الشفاعة، وفيه: (أن النار يبقى فيها فضل، ويبقى في الجنة فضل، قال: فأما النار فينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فيها) وهذا انقلاب، والصواب أنه ينشئ للجنة، وتأبى حكمته أنه ينشئ للنار خلقاً ما عملوا أعمالاً سيئة فيدخلهم النار بلا ذنب، أما الجنة فينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم في ما فيها من الفضل.
والحاصل أن هذا يسمى انقلاباً في المتن وذكر ابن القيم أيضاً له مثالاً وقال: إنه انقلب على بعض الرواة، وهو حديث أبي هريرة الذي يقول فيه: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) وقال: إن آخره يخالف أوله، فإن البعير يقدم يديه في البروك قبل رجليه، وأنكر أن ثفنات اليدين تسمى ركباً، بل الركبة دائماً في الرجل وقال: لعله انقلب على بعض الرواة وأن صوابه وليضع ركبتيه قبل يديه، وذكر أنه كذلك وقع عند ابن أبي شيبة في المصنف: (إذا سجد أحدكم فيضع ركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل) ولو كان سنده ضعيفاً لكنه وافق الأصل، فترجح بذلك أن الحديث منقلب على بعض الرواة كالدراوردي أو محمد بن عبد الله بن الحسن وكلاهما فيه مقال، يضرُّ مع التفرد والمخالفة.