ثم إن هناك ضعفاً لا ينجبر، وهو أن يكون الرواةمتهمين بالكذب، مشهورين به، وقد تتعجب من توافق كثير من الروايات التي فيها ضعف، لكن لا غرابة، فإنهم قد يتفقون على الكذب فيجتمع مثلاً في مجلس واحد ثلاثة يختلقون حديثاً، ويقولون: نرويه عن فلان الثقة المعروف، فيتفرقون وكل منهم يحدِّث به، فيقول مثلاً: حدَّثني شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، عن سالم عن أبيه، فمثلاً عبد القدوس بن حبيب في الشام يقول: حدّثني شعيب، ثم يأتي أحد الكذابين في العراق كعمرو بن جميع ويقول: حدثني شعيب، ويأتي آخر في خراسان ويقول: حدثني شعيب، فإذا رأينا أن هذا الحديث قد توافقوا وتتابعوا على روايته عن شعيب تعجبنا حتى ليجزم بعضهم أن شعيباً حدَّث به، وإلا فكيف اتفق عليه راوي العراق، وراوي خراسان، وراوي الشام؟
والجواب: أنه لا عجب، فقد يجمعهم مجلس، ويتفقون فيه على اختلاق حديث، ويتفرقون ويروونه، وقد يسرقه بعضهم، كما تجد في تراجم بعض الرواة ذكر السرقة، يقال: فلان يسرق الأحاديث. أي أنه إذا سمع حديثاً ضعيفاً مروياً من طريق سرقه، وكتبه، ثم حدّث به من طريق ثانِ، فاختلق له طريقاً آخر، فيتعجب الذي يرى هذا مخرجاً من طريق، ثم يراه مخرجاً من طريق آخر، ويقول: كيف توافقت الرواة؟ يعني هذا: طريق كلهم مصريون، وله إسناد من طريق كلهم عراقيون، فنقول: لا غرابة في ذلك، فقد يكون الذي اختلقه لأول مرة هو المصري، ثم لما سمع به العراقي ركب له إسناداً، ليدعي أنه قوي.