فإن هذا ليس دليلاً على رضى الله إذا كان الإنسان يعمل ما يسخطه، ولكن هو من الإمهال إلى العذاب الذي لم يأت أجله، يقول الله تعالى: ((وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا)) (سورة الكهف: الآية 58) يعني أن هذا الإمهال – لمن لم يستقم ولم يرجع إلى الله تعالى – له أجل ينتهي إليه.
ودليل ذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ قول الله تعالى: ((وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد)) (سورة هود: آية 102) . (متفق عليه) . والظالم هنا العاصي الذي اقترف معصية وفعل ذنباً أيما ذنب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليملي للظالم)) يعني يؤخره ويمهله ويعطيه على ما هو عليه، ومع ذلك فلعله أن يعود إلى ربه إذا كان ذا عقل، وأن تتغير حاله.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيت الله يعطي الظالم وهو مقيم على ظلمه فاعلم أنه استدراج)) . رواه أحمد. ويعطيه أي يوسّع عليه. فإذا رأيت الله تعالى يوسع على إنسان وهو ظالم، ومع ذلك تزداد مكانته ومنزلته وماله، ويزداد في طغيانه ومعصيته، فلا تظن أن ذلك لكرامته على الله، ولكن أعلم أن ذلك من باب الاستدراج، اقرأ قول الله تعالى: ((سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين)) (سورة الأعراف، الآيتان: 182، 183) فقوله: ((وأملي لهم)) يعني أؤخرهم إلى أن يحين أجلهم وتنزل بهم العقوبة.
وقد ورد في بعض الأحاديث: ((ما أخذ الله قوماً إلا عند غرتهم وغفلتهم وسلوتهم)) .والأخذ هنا العقوبة، أي: ما عاقبهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر إلا بعد أن يركنوا إلى الدنيا ويطمئنوا إليها، ويظنوا أنهم يتمتعون فيها.
واقرأ قوله تعالى: ((فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين)) (سورة الأعراف: 166) .