أما إن أراد بالملكية التملك وأن النفس تتهيأ لأن تملك شيئاً من أمر الكون أو تدبره أو تتصرف فيه تصرف المالك، فهذا أيضاً لا يصح، فالنفس البشرية وسائر النفوس المخلوقة ليس لها من الأمر شيء، ولا تقدر على التصرف المستقبل، ولا الملكية التامة النافذة؛ بل إن المخلوق نفسه مملوك لربه ولو ملك الدنيا بأسرها، فملكه مؤقت وناقص، وهو وما بيده ملك لربه، فكيف يقال: إن انقطاع الصوفي ينيله القصد ويهيئ نفسه للملكية.
رابعاً: ذكر الله يزيد في استمرار العبادة:
ثم قال هذا الكاتب:
[فاتخذ الذكر زاداً لروحه والفكر في آياته القرآنية والكونية شراباً لروحه.. الخ] .
فأقول:
هذا القول حق، فذكر الله دائماً هو قوت القلوب، وزاد الأرواح؛ ولكن ليس معناه أنه يغني عن الزاد الحقيقي للبدن، وإنما الذكر والفكر يقوي الروح، ويزيدها نشاطاً وثباتاً واستمراراً في العبادة، وحباً ورغبة في مواصلة العمل.
خامساً: العلماء مهما بلغوا؛ فهم مقيدون بنصوص الشريعة:
ثم قال الكاتب:
[حتى أشرقت على قلبه شمس المعارف الربانية، فأصبح القلب ينبوعاً من ينابع الأنوار والأسرار والحكم الربانية.. الخ] .
نقول:
هذا غير صحيح؛ فإن ذلك يستلزم تفوقه على الرسل والملائكة، واستغناءه عن الشريعة وعلومها، فإن الينبوع هو الماء النابع من الأرض، فمعنى ذلك أن شمس المعارف الربانية والعلوم الدينية قد أشرقت على قلوب الصوفية، وسطعت فيها فاستنارت بها فأصبح ينبوعاً للأنوار والأسرار، يعني: معدناً تنبع منه الأنوار الإلهية وتنفجر منه عيون الحكمة، وتتوارد عليه الأسرار والحكم الربانية؛ فتغنيه عن العلوم الشرعية.